حرب وجود

في أيار (مايو) الماضي كتبت مقالة بعنوان: «إنه الأمان يا غبي»، تحويراً لعبارة الخبير السياسي جيمس كارفيل الشهيرة «إنه الاقتصاد يا غبي»، تفسيراً ساخراً لفوز بيل كلينتون على بوش الأب في الانتخابات الرئاسية، المقالة تزامنت مع الانتخابات المصرية التي اختار فيها المصريون رئيسهم عبدالفتاح السيسي.

على رغم كل التدهور الاقتصادي الذي عاشته مصر لثلاث سنين عجاف، والانخفاض في مخزون النقد الأجنبي، وما أدى بالنتيجة إلى ضعف ثقة المدينين والمستثمرين في الاقتصاد المصري، بل وأثر في واردات الطاقة، إلا أن الأمان كان أولاً وما زال، والأمان تقدم في حاجات المصريين بعد عزل الرئيس محمد مرسي، وما شهده الشارع المصري من إرهاب وتفجير.

ومع تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي زاد بالضرورة حنق أعداء مصر في الداخل والخارج من بشائر الاستقرار، ومع تقدم الأيام تبين أن الموضوع لم يعد حنقاً على حكم زال، بل أصبح رفضاً لمصر أن تعود قوية، وتحولت معظم العمليات إلى استهداف رجال الأمن، كما شهدنا في العملية الأخيرة في سيناء، التي أسقطت 25 شهيداً من الجنود المصريين.

وخرجت تصريحات الرئيس السيسي لتصارح المصريين عن الأيادي الأجنبية التي تقف خلف العملية، المخاطر في ما يحدث من سيناء تحدث عادة عبر أنفاق غزة، والتعاطف المعروف من تنظيم «الإخوان المسلمون» في فلسطين «حماس»، ولهذا كانت الجدية في لغة السيسي أكثر من ذي قبل، عبر قرار حظر التجوال ثلاثة أشهر في شمال سيناء، وغلق معبر رفح.

بل إن حرب غزة في رمضان الماضي لا يمكن النظر عليها، من دون شبهة الرغبة الحمساوية في زعزعة حكم السيسي مع بدايته، ولكن رهان الديبلوماسية المصرية نجح ابتداءً عبر تحقيق الهدنة بين إسرائيل و«حماس»، ثم النجاح في استضافة مؤتمر إعمار غزة، وما حملة من رسائل، فحواها أن الكيان المصري عائد وبقوة.

والإرهاب في مصر لا يأتي من الشمال فقط، إذ شهدنا في رمضان الماضي عملية آثمة أخرى، عندما دخلت عناصر من الغرب حيث لا دولة في ليبيا، إلا متطرفون تدعمهم قطر وتركيا، وتم إطلاق قذائف على مبنى لحرس الحدود ومخزن أسلحة مجاور له، وأدت العملية التي لم تحترم الشهر الفضيل إلى مقتل وإصابة العديد من الجنود المصريين.

التصدي للإرهاب أصبح السبيل الوحيد أمام المصريين لاستعادة دولتهم، ولكن الجيش والشرطة في مصر رضوا بأن يكونوا هم الشهداء بدلاً من الشعب؛ لأنهم يملكون المعلومات ويدركون الأجندات الخارجية التي تتمنى ألا تقوم لمصر قائمة، وإن كانت الديبلوماسية تمنع الحديث عن تلك المؤمرات بالتفصيل.

مع انشغال العالم بالحرب على «داعش» في سورية والعراق، يبدو أن هذا لم يشغل السيد أردوغان عن إرسال مبعوثة الرئاسي أمر الله إيشلر إلى ليبيا، حيث التقى فيها المبعوث التركي الخاص برئيس الحكومة المنبثقة عن المؤتمر الوطني المنتهية ولايته، عمر الحاسي، وأعلن إعادة الرحلات اليومية إلى مصراتة، معقل الجماعات الإرهابية المناهضة للجيش الوطني الليبي، وهو ما يعني أن تركيا وبقية أعداء النجاح في مصر، أزعجهم عودة السياحة في مصر وانتعاش البورصة لمعدلات تقارب تسعة آلاف نقطة، وهو ما يقارب ضعف مؤشر 2011، أزعجهم بالدرجة نفسها نجاح عملية الكرامة بقيادة اللواء حفتر، ولاسيما تحركها الأخير عبر البدء ببنغازي، وتطهير الشرق الليبي المحاذي لمصر من جميع العناصر الإرهابية، ومن ثم فنجاح مصر وليبيا دولاً هو على المحك، ومعركة وجود كما أشار الرئيس عبدالفتاح السيسي.

 

صحيفة الحياة

http://www.alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/5291508

الاثنين 27 أكتوبر 2014


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *