اليوم هو ثالث أيام قاهرة المعز دون الرئيس محمد حسني مبارك، وهو أول يوم يمر على مصر وفيها رئيس جمهورية سابق منذ ما يقارب النصف قرن كان فيها رؤساء راحلون فقط.
أحب أن أبدا من وصف حقبة حكم الرئيس السابق لمصر والتي اتسمت بنجاح مقبول خارجيا، تبين ذلك من تمكنه من حفظ اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل طيلة ثلاث عقود، رغم الاستفزازات العديدة سواء من الإسرائيليين أحيانا أو الفلسطينيين في أحيان أخرى.
كما نجح إلى حد كبير في تحسين العلاقات المصرية العربية، خاصة العلاقات المصرية الخليجية، وساهم ذلك من زيادة التبادل التجاري وزيادة العاملين في دول الخليج وليبيا وزيادة السياح والمستثمرين العرب في مصر، لا سيما بعد تجاوز الأحداث الإرهابية في التسعينات –من تفجير حافلات السياح وخلافه-.
والشعوب عادة لا يأتي تصرف دولها خارجيا أو أدائها الدبلوماسي في مقدمة أولوياتها، وهذي صفة عالميه، فالناخب الأمريكي لا يهمه هل سيحقق أوباما حل الدولتين أم لا، بل يهمه كيف سيكون الضمان الصحي وما تأثير برنامجه الانتخابي على أسعار الضرائب..إلخ
الوضع في الداخل المصري لم يكن ناجحا أو مقبولا بالقدر ذاته، فقد كان المصريين يعانون الأمرين لا سيما في العقد الأخير، وهذا يأتي بشكل رئيس من عدم قدرة النظام والمؤسسات على التعامل مع فترة ما بعد الاشتراكية، فالرأسمالية يخطط لها ولا تقرر فقط، وتُفعل بالحدود التي تلزم حماية الأفراد.
توالت مشكلات في الأعوام الأخيرة، كأزمة رغيف العيش قبل عامين، وجدل الدعم وهل يكون مادي أو عيني، أضف لذلك موجات الغلاء الفاحش والمتسارع، فلك أن تتخيل أن كيلو اللحم –وهو من أهم معايير القياس مصريا- قد تضاعف حوالي أربع أضعاف من 2007 حتى 2010، وسعر لتر البنزين 95 كان 2.75جنيه حوالي 1.80 ريال قبل خمس أيام فقط من المظاهرات، بزيادة تقارب ال80% خلال 3 أعوام فقط.
السبب الثاني للأزمة هو غياب وتراجع الحريات، فقد شهرت الأعوام الأخيرة تضييقا في الحريات، وإيقاف ومنع من العمل لصحفيين كثر مثل إبراهيم عيسى رئيس تحرير جريدة الدستور، وعمرو أديب مقدم القاهرة اليوم على أوربت، مع أن من الجحود التنكر لسقف الحرية الصحفية التي سمح بها حسني مبارك في عهده أعلى بكثير من سابقيه، وكذلك كانت مصر من أكثر دول المنطقة في حرية الصحافة، مع الإقرار بأن نظام مبارك اتبع سياسة التنفيس والقائمة على القاعدة : (دعهم يقولون ما يريدون، ودعنا نفعل ما نريد).
السبب الثالث يعود لغياب الديمقراطية في أهم صورها وهي الانتخابات، ففي العامين 2005 حدثت لأول مرة انتخابات رئاسية لأشخاص متعددين، حيث كانت الانتخابات في السابق لها مرشح واحد والتصويت بنعم أو لا، وكانت النتيجة وكما هو متوقع إعادة ترشيح الرئيس مبارك وبنسبة 88.57% متفوقا على منافسيه أيمن نور ونعمان فوده الحاصلين على 7.6% و 3% تباعا، وظهرت أصوات تطالب الرئيس بالترشح دون الانتماء للحزب الوطني وهذا مؤشر على بدء الاحتقان من الحزب، وتحوله لما يشبه حزب البعث في العراق، وأقصد تحول الحزب من حركة سياسيه لها مبادئ إلى جهة الانتماء لها يسهل الحصول على الخدمات والمميزات أكثر.
وفي نفس العام وبعد الانتخابات الرئاسية بشهرين أجريت انتخابات مجلس الشعب برقابة دولية –اتساقا مع ضغوطات الرئيس بوش الابن وموجة الشرق الأوسط الجديد-، وحقق الإخوان في تلك الانتخابات 88 مقعد من بين 444 مقعدا كلها بالانتخاب عدا 10 مقاعد يعينها الرئيس، ولا شك أن هذه النتائج كانت صفعة للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، وأعطت مؤشرا أن التزوير لا الإصلاح وحده هو الضامن الوحيد لتحقيق الأغلبية في انتخابات مجلس الشعب التالية والتي أقيمت 2010.
السبب الرابع هو عدم وضوح مستقبل النظام، والتي أرتبط بشخص لا بمؤسسه، فلم يقم الرئيس بتعيين نائبا له، كما أن وضعه الصحي وضح عليه التدهور مؤخرا، لاسيما حين قام بالرحلة العلاجية لألمانيا، وصولا إلى عدم تقديم ضمانات واضحة بعدم التوريث.
أسباب نجاح الثورة والتوقعات لسيناريوهات مستقبل مصر في مقال قريب بمشيئة الله ،،


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *