مؤامرة قابلة للنشر

كما قال أحمد شوقي: «كلنا في الهم شرق»، نجد ما يحصل في اليمن يذكرنا بمشاهد من العراق ومن لبنان «حزب الله»، سقوط صنعاء يشابه سقوط الموصل من حيث السرعة، ومن حيث انعدام المقاومة، والتساؤلات التي تطرح عن ذوبان الجيش العرمرم، ناهيك عن التوقيت المريب في اليمن لاحتلال العاصمة، ثم التوقيع على اتفاقية السلم والشراكة الوطنية، مع رفض الحوثيين التوقيع على الملحق الأمني؛ لأنهم لا ينوون الانسحاب من أي مدينة، ومن ثم رفض إعادة أي مدينة إلى سلطة الدولة؛ لأنهم ببساطة قرروا أن يصبحوا هم الدولة.

ولكن الحوثيين لم يقرروا أن يصبحوا كل الدولة، أو لنقل أنهم قرروا أن يصبحوا دولة الشمال حتى اللحظة، فيتضح ذلك عبر رشوة الجنوبيين، مرة عبر تناصف مستشاري الرئيس عبدربه هادي منصور، فيكون مستشار ممثل للحوثيين، ومستشار آخر ممثل للجنوب، ومرة أخرى عبر القبول بخالد محفوظ بحاح رئيساً للحكومة من الجنوب، بعد أن رفض الحوثيون مرشح رئاسة الحكومة أحمد عوض بن مبارك، بعد رفضه من طهران لعلة انضمامه إلى حزب البعث إبان دراسته في العراق.

بالطبع مسألة اكتفائهم بدولة الشمال أمر غير محسوم، مع إغراء سقوط المدن تباعاً، واقترابهم من تعز بوابة اليمن الجنوبي. الجنوبيون تعاملوا مع احتلال الحوثيين المدن اليمنية كما تعامل الأكراد مع توغُّل «داعش» في المناطق السنية العراقية، وزحفهم نحو بغداد، فكما سارع برزاني إلى رفع دعوات الانفصال، قام الجنوبيين بالأمر نفسه عبر مظاهرات في عدن، وعبر مطالبة شركات النفط بإيقاف دفع أموال النفط لحكومة صنعاء، وإحياء حلم الانفصال الذي لم يَمُتْ منذ 1990.

تصرفات الحوثيين تدل على أطماع كبيرة، وعلى أن الهدف لن يكون يمنياً في النهاية، وأن الخطوة برمتها تحمل تهديداً للمملكة العربية السعودية، إما عبر الحدود المباشرة، أو عبر السيطرة على باب المندب بعد السيطرة على الحديدة كمرفأ كبير على البحر الأحمر، كما وخلو كلمة جمال بن عمر المندوب المريب للأمم المتحدة من الإشارة إلى المبادرة الخليجية، تماماً كما حرص «حزب الله» قبل أعوام على دفن اتفاق الطائف عبر اتفاق الدوحة، كعادة إيرانية يحركها الحقد والطائفية، ورغبة الانتقام من كل منجز سعودي، وهذا ما تعيه السعودية وتتنبه له سياسياً وعسكرياً.

ولأن التحرك الحوثي بدا طائفياً، لاسيما مع الرعاية الإيرانية، ومع مسارعتهم إلى تغيير أئمة المساجد في صنعاء واستبدالهم بحوثيين، فقد استدعى تحركاً طائفياً من «القاعدة»، وتعقد قياداتها بحماية السنة، بل وصل الأمر إلى ذوبان خلافات قبلية، إذ اجتمعت قبيلة قيفة وقبائل مذحج في تحالف مع «القاعدة» للتصدي لنيات الحوثيين دخول رداع ومحافظة البيضاء، واتفق المجتمعون على تشكيل حلف قبلي واسع للتصدي للمد الحوثي المسلح ومناصرة قبائل مأرب الجوف، وأطلقت مبادرة تتمثل في صلح لمدة عام وإصلاح ذات البين بين جميع قبائل مذحج، للاصطفاف صفاً واحداً لمواجهة الحوثيين، بل وحضر اللقاء الشيخ نبيل الذهب القيادي في تنظيم القاعدة.

لم تعد تحاك المؤامرات بليل، ولا عادت المخططات تتم في السراديب، ولا يكشف عنها إلا حين تنجح أو تُفضح، أصبحنا نشهد مؤامرة ظاهرة للعيان في اليمن، اليمن أهداها الغرب لإيران على هامش المفاوضات النووية، واستلزم ذلك من أطراف عدة شراء ذمم وخيانات على صعد عدة، وهذا هو التفسير الوحيد للمشهد اليمني من دون مواربة، فدخول الحوثيين لكل المدن، بدءاً من صنعاء، من دون أي مقاومة، وتصريحات وزير الداخلية لعناصر الأمن بأن لا يقاوموا الحوثيين دليل على أن اليمن أُعدت لتكون لقمة لإيران، لكن اليمن أكبر من أن يكون لقمة سائغة، ودوماً كانت غصة لكل من حاولوا التهامها عبر التاريخ.

 

صحيفة الحياة

http://alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/5159891/

الاثنين 20 أكتوبر 2014


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *