في العام الماضي تم اختطاف سبعة جنود مصريين في سيناء، إبان حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، وكان الرئيس مرسي يمنع الجيش من التدخل، مصرحاً بأنه «يجب حماية أرواح الخاطفين والمخطوفين»، وقد تم تحرير الرهائن بفضل جهود المخابرات الحربية وشيوخ القبائل في سيناء.
ولفت مرسي في رسالة تطمين للجماعات المتشددة في سيناء، خلال المؤتمر الصحافي الذي أعقب عودة الجنود المختطفين، إلى «أننا لسنا دعاة حرب، ولكننا قادرون على أن نحقق الأمن داخل وخارج حدودنا، ونحمي التنمية والاستقرار والسلام»، ولم تكن هذه التصريحات مؤشراً لليد المرتعشة للدولة فقط، بل هي مؤشر إلى أن حركات الإسلام السياسي لا تختلف في النظرية والتطبيق، بل اختلافها في درجة التطرف، وأحياناً يكون شيئاً من توزيع الأدوار.
هذا المشهد قريب من مشهد تحرير الرهائن الأتراك الـ٤٩، الذين احتجزهم «داعش» وأعادهم بكامل حلتهم، مع بدء عمليات الاتحاد الدولي لضرب «داعش»، هذا التشابه ليس فقط تشابه وحدة الآيديولوجيا والتنظيم بين أردوغان ومرسي كإخوان مسلمين، ولكنه علامة للإخوان الذين يصدرون للعالم وهم الوسطية كيمين معتدل.
والحقيقة أن لتركيا مواقف متلبسة، وسياسات خارجية متناقضة، ولكن البعض يشعر باللبس بين نقد سياسة أردوغان وصورته الذهنية كصانع النجاحات الاقتصادية التركية، وبالطبع لا نقاش حول التقدم الاقتصادي الذي قدمته حكومة حزب التنمية والعدالة، ولكن النجاح الاقتصادي ينجح في التسويق السياسي داخلياً وليس خارجياً.
أولاً، بدا غريباً استصدار قرار من البرلمان التركي بأغلبية ٢٩٨ عضواً من بين ٥٥٠ عضواً في البرلمان، إذ يعطي القرار الضوء الأخضر لعملية للجيش التركي في العراق وسورية، بل ويسمح بتمركز قوات أجنبية مشاركة على الأرض التركية، وهو قرار مدته عام قابل للتمديد، والغرابة تكمن في أن تركيا تلكأت في موقفها من الحرب على «داعش»، بل ورفضت التوقيع على الاتفاق الذي تم في جدة، الذي بنى إطار التحالف الدولي لضرب «داعش»، ويقال إن حضور تركيا لمؤتمر جدة كان بضغوط أميركية.
مثلت تركيا البوابة الرئيسة لدخول المقاتلين، واستفادت تركيا مع حدودها الممتدة لمسافة ٩٠٠ كيلومتر مع سورية عبر تسريب المقاتلين إلى الداخل السوري، والاستفادة من النفط الرخيص الذي كان يصدره «داعش».
هذا جعل الحرب على الإرهاب في سورية والعراق، لا يمكن أن تتم من دون مشاركة تركيا، وهو ما دفع كيري، في تصريح انتقص فيه من سيادة تركيا، إلى أن يعلن أن تركيا ستشارك في الضربات، وكان الحرج أكبر حين وافق المجلس المؤلف من 15 دولة بالإجماع على مسودة قرار صاغته الولايات المتحدة، يلزم الدول «بمنع وقمع» تجنيد وسفر المقاتلين المتشددين إلى الصراعات الخارجية.
والمحرج أكثر أن القرار صدر بموجب البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ما يجعله ملزماً للدول الأعضاء في المنظمة الدولية، البالغ عددها 193 دولة، ويعطي مجلس الأمن سلطة فرض قرارات بالعقوبات الاقتصادية أو القوة.
إذاً تركيا تتحرك اليوم بسبب ضغط المجتمع الدولي، وخصوصاً الولايات المتحدة، والتي أصبحت حليفاً كبيراً، عوضاً عن أحلام الانضمام للاتحاد الأوروبي السابقة، والتحرك التركي يتم أيضاً لدافعين، دافع ظاهرة النبل، وهو إسقاط نظام الأسد، وباطنه الدعاية، ودافع آخر، هو خطر ذوبان الحدود بين أكراد تركيا وسورية، بعد نزوح أكثر من 160 ألف كردي منذ بدء الضربات.
أثبتت الثورات العربية أن تركيا مرت بتخبط في تعاطيها مع الثورة الليبية، خوفاً على استثمارات تبلغ 4 مليارات دولار، ثم ناصرت الثورة السورية مدة عام، تلاها تراجع حين خفت حدة أميركا تجاه الثورة السورية، ومع مصر بدا الأمر شخصياً عبر خطاب أوردغان في الأمم المتحدة، لأنه بدد حلم تركيا في تصدير «العلمانية المحافظة» إلى مصر وبقية الشمال الأفريقي.
صحيفة الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/5025589/
الاثنين 13 أكتوبر 2014
اترك تعليقاً