الحرب المستمرة

تاريخ السعودية في مكافحة الإرهاب ليس وليد الأحداث في السنوات الأخيرة، بل هو تاريخ يمتد إلى أكثر من ثلاثة عقود، بل إن كون المملكة حاضنة الحرمين الشريفين، وتتشرف بضيافة وخدمة ملايين الحجيج والمعتمرين سنوياً، لم يكن وقاية لها من الإرهاب، بل جعلها من أكثر الدول استهدافا منه، وكان استهدافها هو الشيء الوحيد غير الطائفي في هذه المنطقة التي تعج بالطائفية، أي أنها لم تكن بمنأى من الإرهاب السني أو الشيعي.

كما أن طبيعة المجتمع السعودي المتدين، ومدى روحانية المشاعر المقدسة في نفوس السعوديين أسهما في أن يستغله أعداء الوطن وأبناؤه الضالون، مدخلاً لتمرير أجندات العنف والإرهاب، وكانت أكثر الحوادث فجاجة اقتحام جهيمان وزمرته الحرم المكي الشريف واحتلاله، ثم تكررت الحوادث التي استهدفت المشاعر المقدسة، وأبرزها تفجيرات الحج وحرق الخيام، التي كان وراءها بشكل مباشر إيران.

ولكن الحادثة التي يجب الوقوف عندها هي حادثة تفجيرات الخبر، التي أرادت منها إيران وسورية وحزب الله اللبناني، ضرب العلاقات السعودية-الأميركية، وكذلك التأثير في المورد الاقتصادي الأول للسعودية وهو النفط، وقد كانت الولايات المتحدة الأميركية آنذاك يحكمها الرئيس الديموقراطي بيل كلينتون، وحصل بعدها تغير في منظومة الأمن للمنشآت النفطية كافة.

مع انتشار الأفكار الضالة، وانتقال الأهداف الإرهابية من استهداف الغربيين وغير المسلمين، إلى استهداف عناصر الأمن في المملكة، ثم استهداف الكفار حتى لو كان معهم مسلمون مدنيون، وهو ما يسمى شرعاً التترس، كما في حادثة المحيا وبقية المجمعات السكنية، إضافة إلى تفجير مبنى الأمن العام، وبالطبع استندت الفئة الضالة إلى تحوير بعض أقوال العلماء، كالقرطبي في تفسيره حيث قال: «يجوز قتل الترس ولا يكون فيه اختلاق إن شاء الله، وذلك إذا كانت المصلحة ضرورية كلية قطعية»، واستدلوا على أقوال مشابهة لابن تيمية وللشوكاني، ثم قدَّروا المصالح، وأوقعوا فتاوى الحرب منازل السلم.

وهنا أصبح جلياً أن الإرهاب لا يمكن مجابهته بالحل الأمني فقط، فبدأت السعودية برنامجاً غير مسبوق في العالم، عبر برنامج المناصحة، وهو برنامج فريد، أراد أن يُخرج العناصر المغرر بها، من حال الغسيل الدماغي الذي تعرضوا له، إلى فهم صحيح الدين المعتدل، وكأي عمل هو في النهاية اجتهاد، فقد أصاب البرنامج في مواضع، ولم يصب في مواضع أقل، حيث عاد قلة إلى الفكر الضال، ولكن جل من انخرطوا في البرنامج أعيد تأهيلهم بنجاح.

السعودية لم تكن بمنأى عن إرهاب الدول، بالدرجة نفسها التي كانت فيها في مرمى إرهاب التنظيمات، فقد تصدت السعودية لعمليات إرهابية عدة، من دول عربية ديكتاتورية عدة، أبرزها محاولة العقيد القذافي القيام بعملية اغتيال للملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله، كما أن دولاً مثل سورية وإيران، كانتا دوماً ساعيتين لاحتضان وتدريب وغسل أدمغة شباب سعوديين للحرب في العراق ثم سورية، وصولاً إلى إرهاب الحوثيين ومحاولة الدخول للأراضي السعودية في عام 2009.

وخلال السنوات الأربع الأخيرة، وتحديداً مع بدء ثورات «الربيع العربي»، أصبحت السعودية أوضح من ذي قبل في مواقفها من الإرهاب، وأصبحت متصدية للإرهاب الذي يتعرض له المواطن العربي، حيث كانت التصريحات واضحة تجاه الوضع في سورية، وأن التصدي للثورة السلمية بالسلاح ليس سبيلاً إلا لمزيد من الدماء.

السعودية قدمت قبل أشهر قائمة بالحركات الإرهابية كجانب قانوني، وقامت بدورها السياسي في الحشد للتصدي لإرهاب «داعش»، ولكنها كانت واضحة في أن المسبب الحقيقي للجماعات الإرهابية السنية كداعش والنصرة هو السماح بالحرب الطائفية التي يقودها بشار وحزب الله والحرس الثوري الإيراني، واليوم سعود الفيصل يعبِّر عن خطر الحوثي بوضوح أمام العالم في الأمم المتحدة، كما حذّر من تسليم العراق لإيران قبل عشرة أعوام.

 

صحيفة الحياة

http://alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/4822262

الاثنين 29 سبتمبر 2014


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *