الدعوات القومية للاستقلال في أسكتلندا تشابهها دعوات كثيرة عربياً وحتى أوروبياً، قد يكون رغبة الكاتالونيين في الاستقلال عن إسبانيا هي الأشهر أوروبياً، وعربياً لدينا تقسيم حاصل بالفعل في السودان، وفدرلة في اليمن مع محاولات مغالبة وانقلاب من الحوثيين، وفي كردستان دعوات انفصال لا تنتهي، على رغم الحكم الذاتي منذ أوائل التسعينات.
رغبات الانفصال هي مرحلة نشأت نتيجة لخروج الاستعمار، وما سبقه طبعاً من سقوط الخلافة العثمانية، ولعدم التحول الكامل إلى مفهوم الدولة الحديثة، فقد بقيت مفاهيم أخرى تنازع الدولة سيادتها، وعلى رأسها الطائفة والمذهب والقبيلة والإثنية.
ولم تصبح الدولة هي صاحبة القوة العليا غير المقيدة في المجتمع، ولم تكن الدولة، كما وصف توماس هوبز الفيلسوف الإنكليزي بأنها تعلو فوق أية تنظيمات أو جماعات أخرى داخل الدولة، بل على العكس من ذلك نرى في لبنان طائفة تعلو على الدولة، أو طغت قوة الدولة على طرف فيها مثل جنوب السودان، والذي اضطر إلى الانفصال بعد استحالة البقاء مع حكومة الخرطوم، وإن أصبحت نتيجة الجنوب أسوأ بعد الانفصال، وربما الجنوب مرشح لانفصال آخر. بعد موجة الانفصالات التي لا تزال بالطبع موجودة، ظهرت بارزةً فكرة الاتحاد، بديلاً عصرياً عن الاحتلال والانفصال، الاتحاد الذي قام في القارة العجوز أُسس بناءً على اتفاقية معروفة باسم معاهدة ماسترخت الموقعة عام 1992، لم يكن الطريق للاتحاد مفروشاً بالورد، ولا التعايش مع الأزمات التي ألمت ببعض دوله اقتصادياً كاليونان، ولا حتى الخلافات السياسية مع الجارة الكبرى روسيا، مثل ما حدث في جورجيا ٢٠٠٨ وفي أوكرانيا أخيراً، وتداخله مع مصالح هذه الدول في الغاز الروسي. على رغم كل ذلك هناك إدراك لدى كل الدول الأوروبية الـ٢٨ في الاتحاد، بأهمية وجود عملة موحدة وسوق أوروبي مشتركة، يحاول في النهاية الحصول على موطأ قدم اقتصادي في العالم، لأن البديل هو الوقوع بين الوحش الاقتصادي الأميركي، واقتصاد التنين الصيني الضخم. اليوم يشهد العالم حالة فريدة من نوعها تُغلِّب الاتحاد على الانفصال، وتمثل وعياً وإدراكاً لواقع العالم الذي يدهس الصغار، إذ رفض الأسكتلنديون الاستقلال عن بريطانيا بنسبة 55,3 في المئة من الأصوات، بفارق كبير عن مؤيدي الاستقلال الذين حصلوا على 44,70 في المئة من الأصوات بحسب الأرقام الرسمية الصادرة صباح الجمعة 19 أيلول (سبتمبر) 2014، بعد انتهاء عمليات فرز الأصوات في جميع الدوائر الـ32 في أسكتلندا. وحصل مؤيدو الوحدة مع بريطانيا على أكثر من مليوني صوت في مقابل مليون و617 ألفاً لدعاة الاستقلال في الاستفتاء الذي سجل نسبة مشاركة قياسية وصلت إلى 84,6 في المئة.
الدافع للأسكتلنديين في اتحاد يجمعهم -إضافة إلى بريطانيا- مع ويلز وأرلندا الشمالية، هو دافع اقتصادي محض، وهو أيضاً دافع كاميرون رئيس الوزراء البريطاني حين دعا الأسكتلنديين للتصويت برفض الانفصال، وهذا ببساطة ما نحتاج إليه في العالم العربي، وهو تغليب المصالح الاقتصادية للشعوب على الخلافات السياسية، التي تستهلك الموارد الاقتصادية، بدل أن تعظمها.
اليوم نحتاج إلى أن نستغل حالة التقارب بين الدولتين العربيتين الأكبر، وننجز مشروع الجسر بين السعودية ومصر، الذي كان يتصدى له رجال مبارك المصابين بلوثة الشيفونية الفرعونية، هذا الجسر سيسهم إسهاماً كبيراً في نقل عدد كبير من حجاج شمال أفريقيا للمملكة، والعديد من السياح الخليجيين إلى مصر، كما سيسهم في ارتفاع الصادرات البيتروكيماوية إلى أفريقيا، وسيقلل من كلفة الواردات الزراعية من مصر.
الجسر الذي قد يكون أيقونة لتكامل اقتصادي بين مصر والسعودية، سيكون بالتأكيد جذاباً لدول عربية كثيرة متى ما ظهرت نتائجه الإيجابية، نتمنى أن يؤدي إلى سوق عربية مشتركة، تقوي الدول العربية في تعاملاتها مع العالم كقوة اقتصادية مؤثرة، وبالطبع سيكون الطريق إلى الاتحاد الاقتصادي العربي صعبة، ولكنها بالتأكيد اتحاد ضرورة.
صحيفة الحياة
http://www.alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/4704117/
الاثنين 22 سبتمبر 2014
اترك تعليقاً