مرّ الربيع العربي بموجات عدة، الموجة الأولى: كانت المفاجأة، حيث الصدمة في تونس وهرب بن علي المفاجئ، ثم محاولات الاستنساخ في مصر، عبر أشخاص حرقوا أنفسهم في الإسكندرية ومدن أخرى مصرية، تماماً كما نصنع في برامج الواقع ومسابقة المواهب.

 والمرحلة الثانية: القادمون من الخلف يصطحبون معهم القادمين من الكهف، فالإخوان أتوا من الصف الأخير والغير ثوري بالطبع، ليحاولوا بكل قوة القفز على مقاعد الحكم في ليبيا وتونس واليمن وسورية، وبالطبع مصر هي الكعكة الكبيرة وغاية المنال، وأتوا بالطبع بأهل الكهف ممن لا يؤمنون بديموقراطية، وأن طوعوا لها الفتاوى لاحقاً.

 الإسلاميون كانوا كثرة فاستطاعوا الاستيلاء على الخيول وامتطائها، ولكن هذا لا يعني القدرة على ركوب الخيل بالضرورة، ولكن الجميل في مشهد دخول الإسلاميين في المعترك السياسي خصوصاً في مصر، هو التطور الذي أصاب الخطاب الحزبي للإخوان والسلفيين، فلم تعد البضاعة المغلفة للدين، صالحة للبيع في سوق السياسة.

 فكان أول الشعارات سقوطاً بمباركة الإخوان هو شعار الإخوان، فلم يعد الشعار «الإسلام هو الحل»، وهذا يأتي من كثرة الأحزاب الإسلامية، أصبح الناخب يسأل «كيف» بدلاً من «ماذا»، ولكن تبيّن أن زوال الشعار مرتبط ببقاء الكرسي، وبزواله عاد اللحن القديم، عبر شعارات رابعة واعتبار سقوط حكم الإخوان، هجمة على الإسلام، والخلط في حد ذاته هدف لتضليل المتلقي.

 ويعتبر تراجع الإخوان خصوصاً والإسلاميين عموماً، الموجة الثالثة من مراحل الربيع العربي، فلم يكن سقوطهم في مصر وتراجع شعبيتهم في ليبيا والمغرب وبدرجة أقل في تونس، مجرد تغير في مزاج المواطنين تجاه تيار بعينه، بل أصبح الفرصة الأولى لانتقاد الربيع، وارتفاع أصوات أعداء التغيير والإصلاح بالمجمل.

 وعلت معاني الأمن والاستقرار ثم الاقتصاد، على معايير الحرية والعدالة، وهو ما يعني تحول الجو العام ليصبح شعبياً، بعد أن كان مناخاً نخبوي المطالب، في مناطق يعاني شعبها فقراً مدقعاً، وكان هذا واضحاً في ليبيا عبر الدعم الشعبي للواء حفتر، وكان أشد وضوحاً في المشهد الجزائري، عبر تصويت بوتفليقة من فوق كرسي متحرك وحراك سياسي جامد، والاستماع لخطابه عبر «سكايب» بعد أن كان «فيسبوك» مفجر الثورات.

 مع نهاية ٢٠١٣ وتحديداً في كانون الأول (ديسمبر)، بدا وكأن العراقيين يشعرون ببعض الخجل النضالي، إذ تعد البلد العربي الوحيد الذي تغير نظامه عبر احتلال أميركي صريح، زاد على ذلك بحماقة تسليمه لإيران، وبالتالي ثار السّنة في الفلوجة على سياسات المالكي الطائفية الإقصائية، والتي زاد عليها بتصريحاته عن هذا الحراك، والتي اعتبرها خلافاً بين أبناء علي ومعاوية، وأن كعبة المسلمين كربلاء لا مكة المكرمة.

 وقد كانت تصريحات المالكي مثالاً على تعامل الطغاة مع المختلفين من أبناء الوطن، إذ ينحو أمثاله خطاباً موجهاً إلى الطائفة وقت الأزمات، تماماً كخطابات مرسي الإقصائية في آخر أيامه، ومثال ذلك تدخل حزب الله في سورية، والذي احتاج إلى تبريره لمخالفيه، بالقول إنه لحماية المراقد والحوزات.

 هذا الخطاب الفج والإقصائي الذي يعدّ كل مخالف متصهيناً وعميلاً، أخذ ذروته مع الهجوم الإسرائيلي السافر على غزة، إذ يتوجب عليك لتجنب النقد، أن تشجب أعمال إسرائيل من دون لوم لحماس، فالمقاومة كلها خير لا سيما وهي سنيّة، إذ كان اللوم لنصر الله في 2006 من الطائفيين السنّة، اليوم تمثل أحداث غزة مكاسب لأطراف عدة، فقطر وتركيا يعودان من الباب الكبير، وبشار يقتل السوريين في صمت، والمالكي يستفيد من «داعش» لتشويه السنّة ومماحكة السعودية، وكلهم مستمتعون بمشهد الإسباغتي بنكهة الأعلام السوداء، ولا عزاء للعرب ولا ما ظنوه ربيعهم.

صحيفة الحياة

الاثنين 28 يوليو 2014

http://alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/3831325/


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *