مخاض المحروسه

المحروسه هو اسم اخر لقاهرة المعز عاصمة مصر الحبيبة التي بنيت إبان دخول عمر بن العاص لها بالفسيفساء خلال حكم الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، ولا شك أن مصر الحبيبة أو أكبر دولة عربية إسلامية مرت بمخاض خطير خلال العامين المنصرم 2009 والحالي 2010، لا سيما وهما العامان اللذان يسبقان عام الانتخابات الرئاسية في 2011 والذي سيتم معها الرئيس محمد حسني مبارك ثلاثون عاما من حكم مصر.
هذه الثلاثون عاما مر بها كثير من الانتكاسات والانتصارات والتطورات، وإن إستطاع حماية مصر من الحروب خلال هذه الفتره التي تجاوزت الربع قرن والتي لم يستطع سابقية من حماية مصر من الحروب كما أن الملك الذي سبقهم لم يستطع ذلك.
يعيب كثير من مبغضية على فتره حكمه بما يروه قمع للشعب وللحريات ونهب وسرقات لم يسبق لها مثيل لمقدرات هذه البلد، وقانون الطوارئ دائم الذكر والذي يرونه القانون الأقسى في قمع الحريات والذي لم يتضرر منه أحد بقدر الأخوان.
يحسب لفترة مبارك أنه منح الكثير من الحرية وإن كانت حرية إعلام وتنفيس ليس أكثر، يقابلها قمع خاصة خلال الشهر الماضيين لأي مظاهرات خاصة تلك التي كانت أمام مجلس الشعب، إبان مناقشة تجديد قانون الطوارئ من عدمه، وقد جدد لعامين.
ولمناقشة الحالة الإقتصادية للمواطن المصري لا بد أن نعرف أن لمصر هرم غذائي مختلف عن ذاك الذي درسناه في العلوم، أضلاعه العيش “الخبز” واللحمه والحشيش، والثلاثة أضلاع كانت شاغلة الناس خلال الأشهر الماضية.
الخبز هو قوت المصريين الأساسي والمواطن لا يأكل الخبز إلا من مخابز الحكومة المدعومه منها، هذا إن وجده !! وقد شح في 2009 لدرجة أن حدثت حالات وفيات من تقاتل على الخبز.
مرفقا ذلك بحديث دائم بين الدعم العيني والمادي للمواطن وأيهما أنجع للمواطن والحكومة معا، وهذه من النقاشات التي كان جدلها الأكبر جمال مبارك نجل الرئيس ورئيس لجنة السياسات في الحزب الوطني الحاكم.
اللحم هو معيار ترف لدى المواطن المصري لا سيما في العقد الأخير مع تصاعد مجنون في اسعاره وصل به إلى أسعار تتجاوز الستون جنيها ما يعادل أحد عشر دولارا، فكانت العوائل الأقل فقرا تدخر من قوت يومها حتى عامين مضوا لكي يذبحوا خروفا في العيد، حتى وصلنا لفتاوى بجواز التضحيه بالدجاجه تبعا للوضع الاقتصادي الصعب.
وحتى يصبر المواطن على دراءه واضمحلال حجم رغيف الخبز وعلى شح اللحوم كان لا بد من متنفس وخير متنفس كان تدخين الحشيشه المخدره، والحشيش مرتبط بالمواطن المصري ارتباط التوأمين السياميين، حيث رأيناه جمعيا العامل المشترك في أغلب الأفلام المصريه أو التيمه كما يحلو للسينمائيين المصريين.
وحدث خلال الأسابيع الماضية ما لم يكن في الحسبان فالحشيش بلغت أسعاره الخمسه أضعاف، والأنكى أنه غير موجود رغم الزيادة حتى للمقتدرين فتعدى الضرر الطبقه الدنيا للطبقه الوسطى أو ما بقي منها !
اللعب بغذاء المواطن هي لعبة خطره يقودها بلا شك الحزب الحاكم، وفيما يخص الحشيش تحديدا ففي إختفاءه الغريب إشارات أمنيه أراد أن يرسلنها وزير الداخلية والحزب الوطني بأن المستحيل في الضبط الأمني متاح ومقدور عليه من حكومة الحزب الوطني، وفيه رد على وزيره سابقه وعلى البرادعى حين صرحا بأن مصر مليئة بالمخدرات ويجب تنظيفها من هذا الداء، وأن الأمر لو أُكيل لهم لأخلوا مصر منه.
يمكننا إجتماعيا تنصيف المجتمع المصري إلى نصفين نصف قروي وآخر مدني في كلاهما جزء كبير منتفع بالسياحه، يعي كثيرا دور مبارك في توثيق العلاقات مع العرب كافه مما أعاد السياحة كدخل كبير للوطن ولعديد من مركباته كسائقي الأجره والفنادق والمطاعم والأماكن السياحية عامة، كما أن قمع الإرهاب وعن طريق قانون الطوارئ أيضا جلب شريحة لا يستهان بها من السياح الأوروبيين والأجانب عامة بعد القضاء على الأحداث الإرهابية سيئة الذكر من تفجيرات وخلافه.
كما أن في النصفين القروي والمدني عدد لا يستهان به من المهن الوضيعه –إن صح التعبير- كالبواب والسايس والكهربائي والسباك …إلخ ، وهي مهن يمتهنها قليلي التعليم مع دخل مرتفع وكافي نسبيا، وهذه الطبقه عاده لا تجد لديها أي طموحات سياسيه لا في الترشيح ولا الانتخاب ولا حتى في تغيير نظام الحكم، حيث أنه النظام الذي جعل “الجنية يغلب الكرنيه”، والمقصود بالكرنيه هو البطاقة العسكرية التي كانت أقوى من المال وقت استلم الضباط الأحرار حتى عقدين مضوا.
سياسيا لم يفشل الحزب الحاكم منذ عقود في الفوز في أي إنتخابات عدا إنتخابات مجلس الشعب الأخيره والتي حصل فيها المنافس الأكبر حزب الأخوان المسلمين على مقاعد كثيره، يرجع ذلك إلى الرقابة الدولية على تلك الإنتخابات تبعا للموجه الساذجة التي قادها بوش الابن رغبة في التغيير إلى الشرق الأوسط الجديد وأثبتت فشلها، وصولا إلى إنعدام الرقابة في إنتخابات النصفيه لمجلس الشورى في الأسبوع المنصرم والتي حقق فيها الحزب الوطني 60 مقعدا من 64 مقعد.
أكبر المنافسين للحزب الوطني شعبية هي حركة الأخوان المسلمين والتي يلجمها الحزب الوطني من خلال منعها من التحول لحزب، وبالتالي من الحصول على مرشح رئاسة لا سيما والقانون المصري يمنع أي مواطن غير حزبي من الترشح للرئاسة، وعليه كان الأخوان داعمون لأكثر من يتوقعونه شجاعه من مرشحي المعارضه، وهكذا كانوا مع أيمن نور إبان الإنتخابات الرئاسية المنصرمه حيث كان هو مرشحهم، ولولا الأخوان لما حصل على المركز الثاني بعد الرئيس محمد حسني مبارك،بفارق كبير بالطبع، مما كان وباله عليه بالسجن بتهمة التزوير في تواقيع أعضاء حزب الغد.
ثاني أكبر المنافسين هو حزب الوفد، أو حزب الإقطاعيين وكلاهما سئ الذكر لدى أغلب المصريين الذين يرونها فتره سيئة من تاريخ مصر، أو هذا ما زرعه الإعلام وخصوصا الدراما في فكر المواطن منذ أكثر من نصف قرن، وإن بدأ الندم يعود إليها تدريجيا مع بعض الوعي القادم من الانفتاح على الإعلام الخارجي.
وبالتالي فمرشح الوفد سواء كان أباظة أو د. السيد البدوي الرئيس الجديد للحزب لن يكون صاحب ذاك التأثير الشعبي، ويعاب على الوفد عدم القيام بجولات كثيره في المناطق، ولا القرب الشديد من العامة خاصة الفلاحين، مما يوحي بشكل أو بآخر بعدم الرغبه في التنافس في الحكم لمستوى الرئاسه.
ومن ذاك كان سعي المعارضه لإيجاد بديل “نظيف” سمعته جيده مثل الدكتور أحمد زويل أو الدكتور محمد البرادعي هي أخر العلاج، الأول فهم اللعبة مبكرا وأبى أن يحترق إعلاميا ويخرج بخفي حنين.
أما البرادعي فرضي ذلك ولكنه لم يتوافق مع منهاج أي حزب معارض، مما دعاه للتعامل ببعض الذكاء والتفكير الإستراتيجي للترشح ليس للإنتخابات في 2011 بل للتي تليها، وربما هذا وعي أن مصر مجتمع نصفه لم يعي على رئيس سوى مبارك ويخاف تغييره، فالمرء عدو ما يجهل، والمواطن العادي يقول : “اللي تعرفه أحسن من اللي ما تعرفوش”، فجمال سيكون أسهل هزيمة من أبيه –بافتراض أن محمد حسني مبارك لن يكون على قيد الحياة بعد ثماني سنوات والله أعلم- ، بالإضافة إلى حاجه الدكتور البرادعي لبناء قاعده شعبية أولا.
مرض الرئيس وذهابه لألمانيا لإجراء عمليه لا شك أنها أرعبت الكثيرين،وأسعدت المعارضة، وقد رجع الرئيس سليما معافى مع بعض الشك والإشاعات التي لا تخلو منها مصر قط، وقام ببعض اللقاءات التي أشارات بشكل كبير أنه بصحه جيده إلى حد ما.
حديث التوريث لم ولن ينتهي خصوصا والحزب الحاكم لعقود لم يبرز شخصيه سواه، فقد وأد العديد من الشخصيات المحبوبة على رأسها عمرو موسى و الدكتور الجنزوري وصولا إلى رئيس وزراء منتقد من إعلام الحكومه والمعارضه معا وهو د.أحمد نظيف.
رغم كل ما يبدو للحزب الحاكم من سيطره يبدو أن ترشيح جمال مبارك بعد شهور لمقعد الرئاسة صفاقه سياسيه، وقد يكون السيناريو السوري في إبقاء ترشيح الأب حتى وفاته ثم إشاعه الطوارئ وبالتالي ترشيح الإبن لإكمال فتره أبيه بعد فتره حكم لرئيس مجلس الشعب أ.د فتحي سرورهو السيناريوالأقرب.
06 أغسطس 2010

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *