موسم سقوط الأوهام في المنطقة لا يزال مستمراً. ليس صحيحاً أن النظام الأمني في سورية أو ليبيا يعد أنفاس المواطنين، للدرجة التي يحمي بها النظام من أي ثورات محتملة، فغير المتوقع غير مدرج أمنياً، ولا الجهاز الأمني يعرف خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وهو ما يمكنه من استباق الثورات التي أسقطت نظام القذافي وجعلت نظام بشار يترنح.

سقوط هذين النظامين هما خسارة لإيران بلا شك، إذ كانت ليبيا القذافي حليفاً قوياً لإيران وداعماً ومسلحاً للإيرانيين في حرب الأعوام الثمانية مع العراق، وسورية بالطبع ومنذ تعيين الطبيب «السليب» بشار الأسد، تحولت من دولة حليف لإيران، إلى محافظة يحكمها قاسم سليماني، منظمة إلى دول أخرى نجح في أسر قرارها السياسي فيلق القدس.

مصر أيضاً بنفضها لعفن «الإخوان»، وما يتبعه من العلاقات المشبوهة مع إيران، التي أوصلت الرئيس نجاد إلى التلويح بشارة النصر، وهو يجلس بجوار شيخ الأزهر، تعتبر خرجت من دوائر الدول التي حاول الإيرانيون، وتحديداً الجنرال قاسم سليماني ضمها إلى جامعة الدول الإيرانية، مستخدماً المال والجاسوسية ومراكز نشر التشيع بين العوام. حين انتقلت الثورات إلى سورية كأول ما لا تشتهيه الأنفس في طهران، تعامَل الإيرانيون بمنتهى البراجماتية مع أحداث سورية، على رغم أن طهران تعتبر سورية الخط الدفاعي الأول لها، وشريان ربط أوصال عراق المالكي بحزب الله اللبناني، وهو ما يمثل نواة الهلال الفارسي.

الحماقة الأميركية بعد أن فشلت في تحقيق سلام إسرائيلي فلسطيني، كما يسعى عادةً الديموقراطيون، وكما أعلن هذا الفشل وزير الخارجية الأميركي كيري بعد جولات عدة بين القطاع وتل أبيب، سعت الإدارة الأميركية إلى تسويق نجاح سياستها الخارجية بأمرين، الأول: نجاح مفاوضات دول (٥+١) مع إيران، ومنع طهران من الوصول إلى تصنيع سلاح نووي، وحينها عرض محمد جواد ظريف خفض نسبة تخصيب اليورانيوم من ٢٥ في المئة إلى 5 في المئة، وهي النسبة غير الكافية لتصنيع مشروبات غازية.

هذا الخضوع الإيراني كان سببه الرئيس تزامُن المفاوضات مع كسر بشار لما سمّاه أوباما الخط الأحمر، ومحاولة إقناع أميركا بالتخلص من الكيماوي والإبقاء على بشار، وكما كان التوقيت مؤثراً في الجولة الأولى، ومنح إيران نافذة اقتصادية للتنفس بطريقة قانونية، بدلاً من غسل الأموال عبر أردوغان، كان التوقيت مؤثراً في فشل المفاوضات الجمعة الماضي، بعد أن بعثرت الثورة العراقية بنود التفاوض، وخلخلت من يد المفاوض الإيراني ورقة العراق.

ومن العراق أيضاً كان المنجز الثاني الذي سعت الإدارة الأميركية إلى تحقيقه، وهو إخراج الجنود الأميركيين من العراق، وحاول جو بايدن نائب الرئيس في ٢٠١٢ تصوير سحب الجنود كفتح عظيم، ولكن مفاجأة ثورة سنة العراق في ١٠/٦، وانسحاب الجيش العراقي من مدن كبيرة كالموصل وصلاح الدين، فتح النار على الديموقراطيين وحول سحب الجنود لخطأ جسيم، وهو ما أسهم فيه نواب حزب الدعوة (المالكي) عبر التصويت على رفض إعطاء عناصر الجيش الأميركي حصانة قضائية، وما علموا أنهم سيتمنون رجوع الجيش الأميركي بعد أقل من عامين.

اليوم سمحت لنا العراق بسقوط المزيد من الأوهام، أولها أن أميركا (الشيطان الأكبر) أصبحت مضطرة إلى الاعتراف بإيران حليفاً على الملأ، قوة إيران في السيطرة على سورية والعراق أصبحت وهماً أيضاً، ومن ثم ضياع حلم جامعة الدول الإيرانية. الأميركان يطمحون اليوم في أن ينتهي ما يحدث في العراق وتصبح الثورة وهماً، لأن المشهد الفيتنامى بدأ يزور أحلام أوباما كثيراً.

صحيفة الحياة

http://alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/3146433/

الاثنين 23 يونيو 2014


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *