بعد الـ11 من أيلول (سبتمبر)، حمل جورج دبليو بوش لواء الحرب على الإرهاب، بصفتها آخر معارك أميركا العسكرية في المنطقة، فخلص إيران بغباء أو بقصد من أكبر عدوين سنيّين عن اليمين وعن الشمال، إذ أزاح نظام طالبان من حكم أفغانستان، وأزال صدام حسين من حكم العراق بعد أن أذل إيران ثمانية أعوام.
وأثبت الإيرانيون دوماً أنهم مفاوضون بمرتبة صناع سجاد، يملكون نفساً طويلاً ويكرون ويفرون، وحين تسربت أنباء عن أول لقاء بين الأميركيين والإيرانيين في العراق بعد سقوط بغداد، حين كان الأميركيون متمرغين في وحل دجلة والفرات، قدّم لهم الإيرانيون رأس أبومصعب الزرقاوي عربون محبة.
اغتيال الزرقاوي كان رسالة إلى الأميركيين، معناها اتركوا العراق لنا لنديره، واسحبوا جنودكم كي لا يخرج ما تبقى منهم في توابيت، كتلك التي كانت نعشاً لفرصة فوز أي رئيس جمهوري بعد بوش. كانت الرسالة تحمل إشارة إلى قدرة إيران في القضاء على القاعدة في العراق، أو على الأقل تحييدها عن الأهداف والمصالح الأميركية.
أوباما اعتقد أن الموضوع سهل للخروج من العراق والمنطقة، خصوصاً وإسرائيل قادرة على حماية نفسها بنفسها، فوقع الاختيار على إيران بصفتها الحليف الأنسب في المنطقة، فنفوذها التوسعي جعل لها أثراً كبيراً في سورية ولبنان والعراق والبحرين واليمن، كما أنها دولة طائفية بين دول معظمها سنيّة، ما يسهّل تحوّل دول عرب آسيا إلى دويلات طائفية متناحرة مشغولة بنفسها.
وعندما أتى الربيع العربي لم يكن ذلك في حسبان أحد، بما فيهم الأميركيون، ولكن الأحداث غير المتوقعة ربما تخدم الأهداف الاستراتيجية متى ما تم تكييفها بالضغط هنا والتراخي هناك، فأوباما كان ينوي بث خطاب يمتدح فيه زين العابدين، لولا أنه هرب فأمكن أوباما التراجع، ثم الضغط على مبارك للرحيل، توازياً مع الصمت عن بشار على رغم تخطيه خط الكيماوي الأحمر في الغوطتين.
وكما كانت الفوضى الخلاقة عدوى تنتقل من عربة البوعزيزي، لتمطر ليبيا ومصر وسورية واليمن بالثورات، نشهد اليوم العدوى الطيبة تنتقل من قاهرة السيسي، لتبث في نفوس الليبيين حماسة لدعم اللواء حفتر عبر مظاهرات مؤيدة في بنغازي وطرابلس معاً، وربما هذا هو التفسير لحجر الدومينو الذي يتساقط في العراق، إذ تسقط المدن تباعاً في يد التحرك الأخير.
وكانت التصريحات الأميركية عمّا يجري في العراق لافتة، إذ صرح البيت الأبيض بأنه لا يفاوض إيران على العراق، ما يعني إدراك الأميركيين أن إيران وضعت رهانها كله في سورية، ولم تعد تملك في العراق إلا دفع الصدر والسيستاني لحث أهل الجنوب على التطوع في القتال وحماية النجف وكربلاء، كما أن التراجع عن التصريح بنية ضرب العراق، دليل على إدراك الأميركيين أن التحرك على الأرض ليس «داعشياً»، بل هو حلف بين صحوات الأنبار وقيادات عسكرية بعثية سنيّة وعناصر من «داعش».
العراق على الأرجح أمام سيناريوهين، فإما أن ينجح البعثيون في السيطرة على بغداد، وبالتالي يصبحون أمراً واقعاً يتعامل معه العالم، والأميركيون لا يمانعون ببيع إيران كما باعوا الشاه مرة، وباعوا مبارك وعدداً من العرب مرات، وإما أن يسهم التحرك الأخير في إنجاز هدف الأميركيين بالتقسيم، وحلم الأكراد بدولة المنتظر، وتصبح هناك دولة كردية تشمل كردستان والمناطق الكردية في سورية، ودولة عربية سنية تشمل نينوى والأنبار وربما بغداد، مع احتمال ضعيف في أن تضم إليها شرق سورية، وإن كان مستبعداً، لأن بين السوريين والعراقيين ما بينهم قبل البعث وبعده، وحتى يوم البعث.
صحيفة الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/2997931/
الاثنين 16 يونيو 2014
اترك تعليقاً