تلك العبارة الجميلة التي أطلقها الفيلسوف اليوناني أرسطو، بقيت حكمة يتداولها الناس في كل مرة يصدمون من حديث أحد، ولاسيما إذا كان من شخص أجله الناس قبل أن يتحدث، وقد تداولها كثير من أنصار «الإخوان» وأحباؤهم، بعد أحاديث المشير عبدالفتاح السيسي المرشح الأوفر حظاً في انتخابات الرئاسة المقبلة.
ولأن منهاج الفرقاء في مصر منذ «ثورة 25 يناير» هو التربص، فقد تحولت حكمة أرسطو إلى «تحدث حتى أتصيد عليك»، وهذا التربص بدأ بالرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، حين أطل عبارته التي اعتبرت دخيلة على اللغة العربية وهي «لم أكن أنتوي الترشح»، مروراً بكل من اشتغل بالسياسة، ولاسيما مرشحي الرئاسة، ممن اكتسبوا قداسة دينية، مثل حازم أبوإسماعيل والرئيس السابق محمد مرسي.
ولم يسلم المرشحون الحاليون من التصيد، ولاسيما السيسي، وقد تناوله بعضهم بالسخرية في ما يخص حلوله المقترحة لمشكلات الكهرباء ولرغيف الخبز، إذ يرى أن الحل للكهرباء توفير إضاءة منخفضة الاستهلاك، والحل للخبز أن يقسمه الشخص أربعة أرباع.
والحقيقة أن نموذج الرئيس الشامل غير صحيحة، بمعنى أن الرئيس ليس اقتصادياً ورياضياً وخبيراً أكاديمياً وبيئياً، الرئيس هو الشخص القادر على اختيار الكفاءات وإدارتها ومتابعة أدائها، وأن يكون رجل دولة يحفظ هيبتها، ويحترمه الخصوم قبل الأصدقاء.
السيسي لم يكن في حديثة يستهدف النخب المجتمعية، وكان يتحدث إلى رجل الشارع البسيط وللأم المصرية، وهي تشاهده من شاشة منزلها، مدركاً شعبيته من خلال تجارب عدة سابقة، آخرها نسب المشاركة العالية في الاستفتاء على الدستور، وقد كان السيسي معتمداً كثيراً على العاطفة ووجدان المصريين، وهذا يدل على تفهم للطبيعة المصرية، ولكن هذا الخطاب هو ما أفقده العمق، وجعله مادة للمتربصين، وإن كان أكثرها سخرية مهاجمة «الإخوان» له لاستخدامه الدين، وكأن لسان حالهم مقولة سعيد صالح في مسرحية العيال كبرت عندما قال: «هو اللي عملناه في الناس هيتعمل فينا ولا أيه؟».
يدرك المشير السيسي أن الانتخابات ليست اختباراً لشعبيته، بل هي السبيل الديموقراطي؛ للوصول إلى رأس الهرم، وحتى تُهَم التزوير التي أصبحت سمة مصرية أيضاً، مهما كان مستوى الرقابة الداخلية والدولية عليها، بدا واضحاً أنها تهمة غير صحيحة وليست مطلوبة؛ لوصول رئيس بعينه، وما مشاهد التصويت في الخارج إلا دليل على ذلك، على رغم غرابة كثافة المصوتين للسيسي في دول كالسعودية كان حاز فيها مرسي نسباً عالية.
وهذا يأخذنا إلى جدليتين انتخابيتين: الأولى: مدى ثقل كل تيار في دائرة انتخابية معينه. الثانية: مدى شعبية كل مرشح، إذا أخذنا السعودية مثلاً فقدت سألت الكثيرين من المصريين في انتخابات 2012، وفي الاستحقاق الحالي، وكان تفسيرهم لاختيار مرسي ثم السيسي هو البحث عن الاستقرار والهدوء، وهذه صفة مصرية أخرى تأتي من هدوء النيل، مع الوضع في الحسبان تأثير قرار حزب النور بترشيح السيسي على السلفيين المصريين.
أضف إلى ذلك الإيمان بالمؤسسات القوية، فـ«الإخوان» روّجوا كثيراً عن تنظيمهم وكوادرهم المدربة، وهو ما أسهم في وصول مرسي إلى الحكم، قبل انكشاف الوجه الحقيقي لمدى كفاءة الجماعة للحكم، وكذلك السيسي هو رئيس مدني وابن للجيش المؤسسة الأكبر والأكثر تماسكاً خلال عواصف السنوات الثلاث العجاف، كما أن حمدين صباحي لا يملك ثقلاً انتخابياً كبيراً، وما الأصوات التي حازها في استحقاق 2012، إلا تصويت رفض لـ«الإخوان» ولنظام مبارك معاً.
ومما يسهم في وصول السيسي إلى الحكم حماقة «الإخوان»، من سيارة تشتعل في الإسكندرية، إلى حرق لحزب النور في أسوان، حتى اضطرار السيسي نفسه للتحدث لأنصاره في الصعيد عبر دائرة تلفزيونية، بعد وصول تهديدات حقيقية لاغتياله، وهذا ما يسهم في توجه المصريين إلى اختيار رئيس حازم، يضرب بيد من حديد وتكون إعادة الأمن سقف أولوياته، حتى لو لم يكن أفضل من يتحدث عن الخبز والكهرباء.
صحيفة الحياة
الاثنين 19 مايو 2014
http://alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/2454424/
اترك تعليقاً