كرسي الانتخابات

مبهرة هي الأنظمة الشمولية في استنساخها الطرائق نفسها في التعامل مع كل الأحداث السياسية، حين تهل الانتخابات يصبح التزوير من الأمور المسلَّم بها، وإسكات الأصوات الإعلامية المناهضة من الإجراءات المطلوبة لنجاح العرس الديموقراطي. وزير الداخلية يعلن «أن الدولة ملزمة بحماية الأفراد والممتلكات، وستتصدى لأي كائن يقدم على خرق قوانين الجمهورية، طبقاً للدستور الذي يخولها حماية الأشخاص والممتلكات».

 نعم، تلك كانت الجزائر بلد المليون شهيد. لا يختلف المشهد كثيراً عن المشهد في طهران 2009، بكل التفاصيل التي ذكرناها، فإيران اعتقلت موسوي حينها وكل الأصوات المؤثرة في حركة الخضر، والجزائر اعتقلت علي بلحاج، نائب رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ، خلال محاولته التنديد بما وصفه «تزوير في انتخابات الرئاسة». أحمدي نجاد يصبح الرئيس أياً كانت الاعتراضات في الشارع أو شبه التزوير، وعبدالعزيز بوتفليقة رئيساً، ولو على كرسي متحرك.

 ظهور الرئيس مدفوعاً على كرسي متحرك، برمزية العاجز مدفوعاً من جوقة المنتفعين من حوله، وهذا ربما ما يفسّر «انقلاب» بوتفليقة وتراجعه عن وعده في خطاب ولاية سطيف الشهير عام 2012، الذي قال فيه إن «جيله انتهى وسيسلم المشعل لجيل الاستقلال». وبالطبع حديث التوريث لأخيه السعيد بوتفليقة، ولكن بدء الثورات في نهاية 2010، ألغت الفكرة تماماً، ولاسيما أنها مرفوضة من قيادات عدة في الجيش الجزائري، تجنباً للسيناريو المصري، كما أن حديثه للشعب الجزائري عبر شاشة لابتوب من خلال برنامج سكايب دليل على أن الرجل ذو الـ77 عاماً، يسكن في عالم افتراضي، ولاسيما بعد الجلطة التي أصابته العام الماضي.

 المشهد الجزائري لم يكن فقط إعادة لعجلة الزمن إلى ما قبل «الربيع العربي»، مع ما تحمله من دلالات على زهد الناس، ولسان حالهم ما قاله نعوم تشومسكي: «للأسف لا يمكن التخلص من الأوغاد عن طريق الانتخابات، لأننا لم ننتخبهم أصلاً»، وهو ما يفسر نسبة المشاركة المنخفضة نسبياً والبالغة 51 في المئة، مقارنة بـ74 في المئة في الانتخابات السابقة في 2009، على رغم أنها سبقت في 2008 بتعديل دستوري من بوتفليقة لا يحصر حكم الرئيس في فترتين.

 المشهد الجزائري يدل على ما هو أبعد من ذلك، وهو ترسُّخ فكرة أن التغيير نقيض الاستقرار، وأن الأمن أهم من العدالة، لأن تحقيق العدالة أو مجرد البحث عنها، مهرُه سيول من الدماء، ولاسيما أن الجوار الجزائري ليبياً وتونسياً لا يبدو نموذجاً مغيراً للمواطن الجزائري، خصوصاً ونحن نحكي عن بلد ذاق المر بخسارة مليون شـــهيد خــلال الاستعمار الفرنسي.

 وعلى ذكر فرنسا فقد كان لافتاً تقدم الرئيس الفرنسي بتهانيه للرئيس بوتفليقة وليس للشعب الجزائري أو الدولة الجزائرية، وتمنياته باستمرار الشراكة الفرنسية – الجزائرية، والفرنسيون سياسياً هم تجار بامتياز، وهذا في الحال العادية كما فعل ساركوزي، حين موّل حملته الانتخابية بأموال القذافي، أما اليوم فالحال الفرنسية أسوأ اقتصادياً، كما أن شعبية هولاند ضعيفة جداً لأسباب اقتصادية أساساً، وهذا ما جعله أقرب إلى تنفيذ الأجندة الأميركية في أفريقيا، عبر التدخل العسكري في مالي ووسط أفريقيا.

 ليت بوتفليقة – وهو يستقبل كيري قبل الانتخابات، بما يشبه حصوله على الدعم الدولي – تذكر مقولة حسني مبارك: «المتغطي بالأمريكان عريان». مشهد فوز بوتفليقة كان بمنزلة موت الأمل في أن تؤدي كل المشاهد المتتالية منذ حرق البوعزيزي لنفسه، إلى أي تغيير تلمسه الشعوب العربية، على مستوى الحرية أو الديموقراطية. بوتفليقة نقل الاحتكام الديموقراطي من صندوق الانتخابات إلى كرسي الانتخابات، وما نخشاه أن يكون الدعم الفرنسي له حملاً للجزائر على نعش الانتخابات، عبر زيادة الاحتقان الداخلي دفعاً إلى حرب أهلية، لتُقسم الجزائر على طريقة السودان واليمن، وربما سورية والعراق أيضاً.

صحيفة الحياة

http://www.alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/1915596

الاثنين 21 أبريل 2014


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *