ليست رقعة شطرنج

الاعتقاد بأن ما يحصل في أوكرانيا وسقوط الرئيس فيكتور يانوكوفيتش سيكونان مؤثرين في سورية مباشرة، يُشبه تماماً الظن بأن وصول روحاني إلى رئاسة إيران يمثل انفراجة مع دول الخليج العربية أو سورية، والتفسيرات في عام 2014 تقلب التحالفات وتوسع النيران لما هو خارج مناطق «الربيع العربي»، فملفات عدة تتشابك ودمامل في ظهر أميركا وروسيا لا تكون بالضرورة في الحسبان.

أميركا وروسيا اليوم ومن خلفهما الصين وأوروبا الغربية، ليست دول الحرب الباردة إبان انقسام العالم إلى شطرين، أميركا ما زالت الدولة الأقوى والأقدر تأثيراً في الملفات التي تتصدر أولوياتها، أميركا ترغب في تقليل نفقاتها الدفاعية، ومن المعلوم أن التقليل في النفقات العسكرية والدعم المادي والمعونات مرتبط طردي مع التأثير في مناطق العالم.

وخلال سعي الولايات المتحدة للتقليل من الوجود والإنفاق في مناطق الشرق الأوسط وما حولها نهجت أسلوب دعم الحليف الذي يدير المنطقة بالنيابة ويقوم بالسيطرة عسكرياً ولوجستياً، ويمنح الدعم الذي يخوله القيام بهذا التوازن، خدمةً لأميركا ولمصالحها الخاصة، واتضح ذلك في العام الماضي عبر التقارب الإيراني – الأميركي، ومفاوضات جنيف (5+1)، وما تلاها من تحرير أموال إيرانية، وهو ما يعني التفاهم مع إيران حول العراق وسورية وبدرجة أقل من لبنان واليمن، من دون تدخل أميركي مباشر في هذه الملفات.

ووقع الاختيار الأميركي على فرنسا لإدارة ملفات أفريقية عويصة، فقد بدا من حميمية أوباما خلال استضافته لهولاند، إعجاب الأميركيين بأدائه في مالي وفي أفريقيا الوسطى، فهولاند الجريح عاطفياً بين صديقة رحلت وأخرى يخشى إظهارها إعلامياً، وبين شعبية تدنت لما دون 20 في المئة بين الفرنسيين. أراد الترويج فرنسياً بأنه حليف أميركا المقرب وبدرجة أكبر من بريطانيا، حتى يحقق مكاسب اقتصادية ويحاول إقناع عمالقة الإنترنت مثل «قوقل» و«فيسبوك» و«تويتر» بالاستثمار في فرنسا، لمعالجة الوضع الاقتصادي المتردي. في روسيا ظن الرجل القوي في الكريملين أن المجد السوفياتي العتيد يلوح في الأفق، مع إدراكه الواضح لاستراتيجية أوباما الإنسحابية، وقد بدا في الأفق أن سورية متروكة للعبث الروسي، وكذلك أتت مصر السيسي على طبق من فضة لموسكو، خصوصاً بعد أن هيأ تعليق المعونات الأميركية لمصر الوضع لهذا التقارب، كما أن صفقات السلاح العراقية – الروسية أثارت مخاوف عودة الدب الروسي جزئياً للعراق.

أتت أوكرانيا لتبعثر الأوراق الروسية، وإن كان من العبث القول بأن تنازع روسيا وأوروبا كحليفة لأميركا على أوكرانيا وليد اللحظة، فمنذ استقلال أوكرانيا مروراً بالثورة البرتقالية في 2004 التي كان يتزعمها يانكوفيتش الرئيس الهارب وزعيم الكتلة البرلمانية آنذاك، وأوكرانيا تتنازع بين رغبة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وبين الشوق إلى الحضن الروسي. أوباما علق على الأحداث التي تجري في كل من أوكرانيا وروسيا «بأنه لا يعتبر البلدين رقعة شطرنج للحرب الباردة»، وإذا اعتبرناه محقاً فسورية وأوكرانيا تعدان رقعاً للفتق في السياسة الخارجية لأميركا وروسيا، إذ سعت أميركا لإشغال روسيا لأوكرانيا، من أجل أن تمرر قانون مجلس الأمن لحماية المدنيين السوريين، ولتنجز بعض الترتيبات الأخرى في أفغانستان تحديداً، إذ يبدو أوباما منفعلاً من رفض كرزاي توقيع الاتفاق الأمني، وهدد أوباما بسحب جميع القوات الأميركية.

الأفغان – وهم على بعد شهر من الاستحقاق الرئاسي في بداية نيسان (أبريل) – رفضوا التوقيع على الاتفاق الأمني، الذي يمنع الجنود الأميركيين من الملاحقة القضائية، ويخفّض من عدد الجنود الأميركيين هناك، ويبقى القليل منم أجل التدريب، وهنا يبقى السؤال لأوباما: هل سيسمح بعودة الروس إلى أفغانستان وربما إلى العراق؟ وعندها ستكون كلفة الانسحاب أكبر بكثير من كلفة البقاء.

 

صحيفة الحياة

http://alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/862123

03 مارس 2014

 


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *