خلال ثلاثة أعوام هي عمر «الربيع العربي» تغير كثير من استراتيجيات دول عدة ذات مصالح وتماس مع الدول التي أصابها الربيع، وإذا اعتبرنا أن الربيع فعلياً أصاب ليبيا وسورية ومصر وتونس واليمن، فكان المشترك هو استحالة تقدير النتائج على أية خطوة في غالب المراحل التي مرت بها تلك الدول.
مع بداية 2014، يبدو أننا نلج مرحلة النتائج المتوقعة، سواء في الدول الربيعية أم في الدول ذات التماس، وأبرزها فلسطين ولبنان المضطرتان إلى التأثر في ما يحصل في مصر وسورية على التوالي، فيبدو أن تفجيرات لبنان ستبقى ما بقي بشار، ومعبر رفح ومصير قطاع غزة مرهون بمن يحكم قصر الاتحادية في القاهرة.
وإذا بدأنا بشاغلة الناس مصر، الدولة الأكبر والأهم من دول الربيع وصاحبة أكبر ماكينة إعلامية، فحتى نوصف وضع مصر الحالي فليس هناك أدق من عبارة جلال عامر التي قالها في 2009، وهي: «حتى الآن لم يتم إعلان أسماء المرشحين لمنصب الرئاسة، واكتفوا بإعلان اسم الفائز».
في مصر يبدو أن من في السلطة اليوم حسموا قرارهم، فالسيسي هو الرئيس القادم، وهو المنقذ المنتظر، ويسهم في ذلك الإخوان بقنابل يومية وفوضى منظمة، وتسهم دول خارجية أيضاً في حال عدم الاستقرار وغياب الأمن، وبالتالي المزيد من الضغط الاقتصادي على مصر، وعلى من دعموا حركتها التصحيحية في 30-6 من أشقائها الخليجيين.
والراصد للتفجيرات الأخيرة في مصر، يدرك جيداً أن كثيراً منها لا يملك الأسلوب والنهج المصري، المعروف عن الحركات العنف المصرية كما في التسعينات مثلاً، وإذا أخذنا على سبيل المثال تفجير مديرية القاهرة، فهو تفجير على طريقة حزب الله بامتياز، وهو مشابه بدرجة كبيرة لتفجير الحريري وتفجيرات لبنانية عدة، تستهدف استعمال كميات مبالغ فيها من المتفجرات، حتى يحقق التفجير الرعب كأثر يتجاوز مجرد القتل أو الإيذاء.
فالوجود الإيراني على رغم العداوة مع نظام مبارك يبدو قديماً، وهو ما يؤكد أن قوة النظام الأمني لمبارك «وهم»، فعناصر حزب الله الذين هربوا من السجون المصرية خلال اقتحام السجون في 28 كانون الثاني (يناير) 2011، كان ملفتاً ظهورهم خلال 48 ساعة في الضاحية الجنوبية.
على الصعيد السوري، يبدو أن الصراع سيحل في مؤتمر «جنيف15»، هذا إذا بقي من الشعب السوري من على قيد الحياة، ليفاوض على شيء، سورية اليوم تمثل سقوط كل القيم التي روجت لها أميركا من حقوق إنسان وعدالة، والواقع أن إسرائيل وأميركا وروسيا تجتمع مصلحتهم في استمرار الصراع كأفضل الحلول لاستنزاف كل الأطراف.
فاستمرار الصراع في سورية، يعني مزيداً من مبيعات السلاح، ويعني تغييب أي حل لقضية فلسطين، حتى امتلاء الضفة الغربية بالمستوطنات، ويسمح كذلك لأميركا بالهجرة شرقاً ومناكفة الصين، والطلاق البائن مع الشرق الأوسط من دون أية حاجة للتدخل، خصوصاً وإيران تبدو مطيعة وملتزمة بكل الاتفاقات، وهو ما يجعل العراق ولبنان تحت السيطرة إلى حد كبير. وإذا ما أردنا الختام بالدولة التي يسعى الغرب بكل جهد لنجاح تجربتها وهي تونس، فحاول الغنوشي التسويق لمرور الدستور، وأنه سبب في نجاح خيار الديموقراطية، وأن ذلك هو الدرس الذي تعلموه من مصر بتجنب تجربة الانقلابات العسكرية.
مضللاً حول حقيقة أن الدرس الحقيقي الذي تعلمته النهضة من الحرية والعدالة، هو انسحابهم من الحكومة حتى يعود نواب المعارضة للبرلمان، وليس كما أستأثر إخوان مصر بدستور 2012 بعد انسحاب الأطياف المعارضة، وبعد أن أصم مرسي أذنيه عن الملايين التي طالبته بالاستفتاء على شرعيته، وهو ما يعني أن استراتيجية المرحلة هي إنقاذ ما يمكن إنقاذه في تونس، وقتل ما يمكن قتله في سورية، واستنزاف ما يمكن استنزافه خليجياً.
صحيفة الحياة
http://alhayat.com/OpinionsDetails/599200
الأثنين 03 فبراير 2014
اترك تعليقاً