في 21 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013، قبضت إحدى نقاط التفتيش في منطقة القصيم على مراسل برنامج «قضية رأي عام» في روتانا، وهو يهم بمغادرة القصيم بعد أن انتهى من تصوير تحقيق تناول مشاريع صحية عدة، وبيع الأسلحة ومزارع الدواجن، علماً بأنه حصل على التصاريح المطلوبة، وعلى رغم ذلك حقق معه في نقطة التفتيش، ثم أودع الحجز ليومين، وسحب منه جواله.
وبعد مرور أقل من أسبوعين، قامت شرطة «بيش» في منطقة جازان باحتجاز يحيى الخردلي مراسل «الحياة» بطريقة تعسفية، على خلفية تقرير نشرته «الحياة» عن مطاردة «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» بمساعدة سيارة سوداء غير رسمية، لشاب اُتهم بالخلوة والابتزاز، على رغم عدم قانونية المطاردة أو استخدام سيارات غير رسمية.
اللافت في الحالتين، هو كمية القوانين التي رمي بها عرض الحائط، فابتداء بنظام المطبوعات والنشر في المملكة، يقضي بضرورة مخاطبة وزارة الإعلام عند الرغبة في التقدم بشكوى بخصوص ما ينشر في الصحف، ومن المفترض على هيئة التحقيق والادعاء العام أن تقوم بمراسلة وزارة الثقافة والإعلام، وبدورها تقوم الوزارة بتحويل الشكوى ضد الصحيفة إلى اللجنة المتخصصة في حل مشكلات المنازعات الصحافية، ومتابعة القضية مع الصحافي من خلال المنبر وعنوان مقر الصحيفة التي يعمل بها، ولا يجوز لهيئة التحقيق والادعاء في حال أي إشكال إعلامي طلب القبض عليه من طريق الشرطة مباشرة.
وفي الحالتين السابقتين، وجدنا تفاعل هيئة الصحافيين السعوديين باهتاً، ولا يرتقي حتى لإصدار بيان يستنكر انتهاك حرية الصحافة، على رغم أن الفقرة الأولى من المادة الثالثة والمختصة بأهداف الهيئة تنص على: «رفع مستوى مهنة الصحافة والدفاع عن مصالحها وحقوقها، والعمل على تقدمها وتطورها وترسيخ مفاهيمها واحترامها، وتعزيز مفهوم حرية التعبير وفق الثوابت المرعية».
بل إن الفقرة الثانية من المادة نفسها تنص على: «رعاية مصالح أعضاء الهيئة والدفاع عن حقوقهم الأدبية والنظامية داخل المملكة وخارجها»، ولكن واقعياً لم نرَ احتراماً من الجهات «القبضية» لاستقلالية الإعلام التي لا يفتأ يحث عليها كبار المسؤولين، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين في العديد من المناسبات، ولكن يبدو أن بعض الجهات لا تحتمل أي نقد يوجه إليها، على رغم أن النقد والعمل العام مرتبطان.
هيئة الصحافيين التي مارست الصمت عدا إجابة مقتضبة لأمينها عن تساؤل الصحيفة، شاركها في ذلك المتحدثون باسم وزارة الداخلية، وأفرع الأجهزة الأمنية في المناطق التي حصلت فيها حالات الاحتجاز، على رغم أن المتحدث الرسمي مهمته الرئيسة هي التواصل مع وسائل الإعلام، وتبيين وجهة نظر الجهة التي يمثلها، وبالطبع طرح تفاصيل القضايا الشائكة بشفافية، حتى لا تترك عرضة للإشاعات يمنة ويسرة.
اليوم يبدو أن اختيار الإعلام كمهنة هو استعداد للاستدعاء، للتحقيق من دون مسوغ قانوني، ولأن تبييتاً في حجز ليوم ويومين من دون تهمة، فهيئة الصحافيين لا تحمي منسوبيها، ولا يتقاعد أعضاؤها حفظاً لماء الوجه، وبعض الجهات «القبضية» والأمنية تصر على عدم احترام وزارة الثقافة والإعلام كمرجع للإعلاميين، ولا احترام نهج خادم الحرمين في صون الحريات الإعلامية، وأمسى كل إعلامي يتساءل هل «أنا التالي»؟
صحيفة الحياة
http://alhayat.com/OpinionsDetails/580078
الأثنين 9 ديسمبر 2013
اترك تعليقاً