الزهايمر السياسي

من محاسن الذاكرة الضعيفة أن الشخص يتمتع بالأشياء الجيدة مرات عدة للمرة الأولى، هذه العبارة للفيلسوف الألماني فريدريش نيتشه، وربما لو عاصر الربيع وما بعده في الدول العربية وبخاصة مصر، لحور عبارته لتكون: إذا كان لديك شعب يتصف بالذاكرة الضعيفة، فأنت تستطيع خداعه بالطريقة نفسها مرات عدة وللمرة الأولى أيضاً.

حين تولى الرئيس المعزول محمد مرسي سدة الرئاسة في مصر منتصف عام 2012، أصدر قراراً مفاجئاً بإلغاء قرار حل مجلس الشعب الصادر عن المجلس العسكري في 15 حزيران (يونيو) الماضي، تنفيذاً لحكم من المحكمة الدستورية العليا، ومن المعلوم أن جماعة الإخوان المسلمين مع حليفها آنذاك «حزب النور السلفي» كانت تسيطر على 70 في المئة من مقاعد مجلس الشعب. وجاء إعلان هذا القرار بعد لقاء بين مرسي ووليام بيرنز نائب وزيرة الخارجية الأميركية وغداة اجتماع لمجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين، وعلى مدار العام الذي ترأس فيه الرئيس المعزول محمد مرسي سدة الحكم، كانت المرجعية الأميركية في الشؤون الاستراتيجية، والمرجعية لمكتب الإرشاد في الشؤون الإدارية، هما السمتان البارزتان لسياسة محمد مرسي.

خلال الفترة التي حكم فيها الرئيس مرسي، وفي الأداء البرلماني قبيل انتخابات الرئاسة، كان الفشل الإداري وانعدام الخبرة جليتين، وكانت مشكلة انعدام الكوادر واضحة جداً، وبالطبع المقصود الكوادر الإخوانية والحليفة، على رغم غنى مصر بالكوادر المحترفة، لكن الولاء كان سابقاً للمؤهل في التعيينات، وتعتبر تلك من الموروثات السيئة من حقبة مبارك، الفارق أن الولاء قبيل 25 كانون الثاني (يناير) كان يعتمد على المصالح والعلاقات، أما الولاء في فترة الإخوان فكان آيدلوجياً، وبالتالي فالولاءات ثابتة، وهذا ما يجعلها أهم من الكفاءة.

وخلال الحقبة الإخوانية كان جلياً الرغبة الحقيقية للإخوان المسلمين بعد تحقيق «الحاكمية»، وذلك عبر الديموقراطية التي لا يؤمن فيها تيار الصقور في الإخوان والعديد من حلفائهم، إلى كل ما من شأنه القضاء على فرصة تداول السلطة، فقد تقدم المحامي عصام سلطان بدعوى ضد المنافس الرئاسي الفريق أحمد شفيق، ثم تلا ذلك تعيين نائب العام بطريقة غير دستورية مرتين متتاليتين.

وأسهم ذلك في تحريك دعاوى وتعطيل أخرى، بحسب ما تمليه مصلحة مكتب الإرشاد في المقطم. وفي بداية 2013 لم ينجُ من سمة الإخوان بالفُجر في الخصومة حتى حلفائهم حزب النور، إذ أسهمت الجهود التي استبق بها الإخوان الانتخابات البرلمانية إلى تفتيت الحركة السلفية، فانقسم حزب النور، وخرج من عباءته حزب الوطن، وكذلك حزب الراية «حازم أبوإسماعيل». العام الذي حكمه مرسي شهد أيضاً تمركز صلاحيات في يد الرئيس، كما لم يحدث من قبل، وشهد أيضاً إعلاناً دستورياً كان الشعلة الأولى لإسقاط مرسي، حصن قرارات الرئيس وجعلها فوق القانون، وكانت معركة الدستور قمة انعدام الديموقراطية، إذ تعاملت إدارة مرسي مع انسحاب العديد من القوى من لجنه إعادة الدستور بتصعيد قائمة البدلاء والسير به إلى النهاية، ومن المضحك على سبيل المثال أن محمد الصاوي كان عضو اللجنة البديل عن أحد ممثلي الكنيسة.

لماذا هذا السرد الآن؟ لأن كل الشواهد تدل على أن الذاكرة الضعيفة هي الثابت، وهو ما سيؤدي إلى وقوع العديد من البسطاء في الخطأ نفسه مع اقتراب الانتخابات البرلمانية والرئاسية، فعادت الأصوات التي تقول ليته أكمل فترته الرئاسية، وعادت كوادر الإخوان بعد أن خرجوا من الإعلام، لكي يحدثوا البسطاء عن كربلائية رابعة، آملين بنسيان مجازر محمد محمود وتصريح الكتاتني «الشرعية للبرلمان لا للميدان».

 

صحيفة الحياة

http://alhayat.com/OpinionsDetails/573009

الأثنين 18 نوفمبر 2013


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *