هل سيضرب أوباما سورية أم أن حديثه لا يتجاوز التهديد كما فعل مراراً؟ هل ستكون ضربة موجعة حد إسقاط نظام بشار الأسد أم ستكون ضربة ستعيد ترتيب المعادلة على الأرض؟ هل سيضرب سورية منفرداً أم بصحبة فرنسا فقط بعد تخلي بريطانيا أو أنه سيحتاج إلى مزيد من الحلفاء؟ هذا نقاشنا نحن، وأمنياتنا حول أوباما، وما عساه صانع، ولكن لو عبرنا المحيطات إلى أرض أوباما سنجد أنه من قال قبل توليه الرئاسة في الفترة الأولى إن أميركا ليست «شرطي العالم»، ولا يجب أن تحارب بجيشها ودم أبنائها في أكثر من بقعة، مهما كانت دوافع هذه الحروب نبيلة من وجهة نظرهم.

أوباما من الحزب الديموقراطي الذي لم يعهد عنه خوض الحروب، وهو من قام بسحب جنوده من العراق وأفغانستان، وهو من قام بالتخلص من خصومه وعلى رأسهم بن لادن من دون نقطة دم، ولا يريد بالتأكيد تلويث تاريخه بصور توابيت لجنود أميركان كتلك التي خرجت من العراق، وأودت بسمعة سابقه جورج بوش الابن.

أوباما يعلم بأنه يحكم أميركا وسط سيطرة جمهورية على الكونغوس في غرفتيه مجلس الشيوخ ومجلس النواب، ويقرر وعينه على انتخابات الكونغرس في ٢٠١٤، الجمهوريون اعتبروا عرض قرار الضربة على الكونغرس صدمة لهم، لأنهم سيصوتون ضد الضربة، كي لا يمنحوا أوباما مجداً على حسابهم، ويدركون أيضاً أن التراجع عن الضربة سيمثل كارثة لسمعة أميركا، وهو ما ظهر من تصريحات السيناتور ماكين يوم الإثنين الماضي.

قرار الكونغرس هذه المرة يتم من دون مصالح لـ«لوبيات» معروفة، فلا اللوبي اليهودي له مصلحة في إسقاط الأسد حامي الجولان الوفي، ولا لوبي تجارة الأسلحة سيجني فائدة من ضربة من دون تدخل بري، ولذا تبدو المناكفة الحزبية والمصالح الانتخابية هي الحاكمة لقرار الكونجرس في ٩/٩.

على الطرف الآخر، تبدو التساؤلات جدية عن «الكيماوي»، وهل يبدو بشار من الحماقة ليستفز خط أوباما الأحمر؟ خصوصاً وأداء أميركا السياسي سمح لبشار بقتل ما شاء من السوريين من دون المساس بهذا السقف، الاحتمالات قائمة على كون بشار جرب أن يكسر هذا الخط الأحمر، ولم يتوقع أن تحظى مجزرة الغوطة بهذا الترويج الإعلامي، خصوصاً لصور مئات الأطفال القتلى والمصابين، مستغلاً ضعف التغطية، تبعاً للوهج الإعلامي لأحداث مصر، ومعتبراً أن التصريحات الأميركية ستبقى حبراً على ورق، والاحتمال الآخر أن الفرقة الرابعة قامت بأوامر ضرب من ماهر الأسد الذي يبدو حياً بـ«الكيماوي»، لإبعاد الجيش الحر من العاصمة، ومن ثم الالتفاف عليه في جبهة الساحل التي بدأها أخيراً، ربما لأنهم نظروا بعين واحدة هي «جنيف2».

الاحتمال الأخير لمسألة «الكيماوي»، هي حماقة الأنظمة الديكتاتورية التي ترى أن الشخص يقتل شعبه، ففرق التفتيش أتت للتحقق من استخدام «الكيماوي» في خان العسل، وبالعقلية البعثية لكي تنكر استخدامه في خان العسل، تحتاج إلى ضرب الغوطتين في وجود المراقبين، حتى تثبت أن المعارضة هي من تضرب بـ«الكيماوي»، متناسين أن الغرب يعرف جيداً من يملك السلاح «الكيماوي»، لصعوبة أن يحصل طرف ما على أسلحه محظورة دولياً من دون علم القوى الغربية. وبالعودة إلى الكونغرس الأميركي الذي قد يجدها فرصة للإجهاز على أوباما وسمعته، عبر رفض الضربة تماماً كما فعل ديفيد ميليبان زعيم حزب العمال البريطاني، عبر إحراج حزب المحافظين وإلحاق الضرر بعلاقته بأميركا، ودعونا لا نتناسى أن أوباما قام بقرارات عدة محلية من دون الرجوع إلى الكونغرس، وهو ما يؤكد أنه يريد عبر طرح الضربة ضد سورية على الكونغرس، التأكد من أن الحزبين تتلطخ أياديهم بالدماء، وهو ما يؤكد أيضاً في شكل أكبر أن الضربة تحمل «صفةً انتخابيةً».

القرار العالمي في شأن سورية بقي أميركياً على رغم مخاوف بعض القوى، مثل تركيا، من ضربة لا تسقط النظام بل تقويه، خصوصاً بعض البسطاء في سورية قد يتضامن مع بشار ضد هجمة الإمبريالية الغربية. وبالطبع، لا توجد دولة ستضرب سورية إلا بمعية الولايات المتحدة، وأوباما على رغم صلاحياته لن يوجه ضربة موجعة إلا بموافقة الكونغرس، وإذا صوت الكونغرس رفضاً كما أتوقع وأخشى، فلن يقوم أوباما إلا بضربة عقابية محدودة، وستكون تلك أكبر هدية من أوباما لبشار، وحزبه الديموقراطي في انتخابات كونغرس ٢٠١٤ عبر تحميل الجمهوريين فشل إسقاط نظام بشار الأسد الدموي، وحفظ هيبة الولايات المتحدة الأميركية.

صحيفة الحياة

http://alhayat.com/OpinionsDetails/548598

الخميس  4 سبتمبر  2013


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *