في يوم واحد على غير المتوقع تمكنت قوات الأمن المصرية من فض إعتصامي رابعة العدوية و ميدان نهضة مصر، وإرتفع عدد قتلى فض الإعتصام وما تلاه من عنف وعنف مضاد إلى 525 شخصا حتى وقت كتابة المقال ، والعنف دائما أمر مؤسف وغير محبذ، والعنف إعلاميا يخدم قضية الإخوان ولا يخدم الجيش، وبالتالي أصبح العنف الخيار الوحيد المتبقي، بعد إعتصام دام أكثر من أربعين يوما، وإنقضاء شهر رمضان وأيام العيد. الإخوان رفضوا قبول كل المقترحات التي قدمت من أطراف عربية ودولية للحل، رفعوا سقف مطالبهم إلى رجوع مرسي والدستور، وواقعيا هم أرادوا العبث في ساعة الزمن وإعادة التاريخ، عبر عدم إدراكهم أن مرسي تجاوزه التاريخ، تماما كما حصل يوم معركة الجمل حين تجاوز التاريخ مبارك، وأصبح لزاما عليه التخلي عن منصبه. وحتى إشغال الناس في التسمية وكونه إنقلابا أو ثورة هي عين المشاحه في الإصطلاح، فالواقع يصنع الشرعية لا المصطلحات البراقة، والجدل في مصر لا يجب أن يقتصر حول 30 يونيو، بل يجب أن يعود أيضا إلى 25 يناير وإلى ثورة 1952، فكل من إستفاد سماها ثورة وكل من تضرر سماها إنقلابا، ولم يبق أمام العالم سوى أن يقبل بالواقع. وإذا بحثنا عن الخيارات السلمية الأخرى التي أمكن بها فض الإعتصام، والتي طرأت على ذهن البرادعي فجأه بعد فض الإعتصام، ولم يشارك الناس بها خلال أيام الإعتصام، وقد كانت الإقتراحات التي قالها البعض لا تعدو ترك الإعتصام قائما دون الإقتراب منه، وراهن البعض على ملل الإخوان وخروجهم للعبث خارج الإعتصام وأن لا يتعامل الأمن إلا مع هولاء. وهذا ما حدث بالفعل فقد قرر الجيش إحترام حرمة رمضان وعدم فض الإعتصام، والإخوان أحسوا أيضا بأنهم سيتركون للأبد في رابعة العدوية دون الإلتفات لمطالبهم، وبالتالي تعاملوا بسياسة الإعتصامات الإنشطارية، فقد خرجوا إلى ميدان نهضة مصر، وفي منتصف رمضان حاولوا إنشاء الإعتصام الثالث عند مسجد النور في العباسية بغية شلل العاصمة، شرقا من رابعة العدوية وصولا لنهضة مصر غرب النيل بالجيزة. وقد تحركت مسيرات عديدة من الإعتصامات هدفت لشل الطرق المحيطة بكل إعتصام، وقد قاموا بالفعل بقطع كوبري 6 أكتوبر في رمضان محاولة لتصعيد الأزمة وإستفزاز الأمن، وبالطبع كان التلاعب بالشعارات الدينية مرادفا لتحركات الإخوان بغرض الإستهلاك الإعلامي، عبر الإعتصام بجوار المساجد، وحمل المصاحف وقت فض الإعتصام كما فعل الخوارج. بعد فض الإعتصامات وخصوصا مع مساندة الجزيرة الإعلامية، بدى للإخوان أن لعبهم في آله الزمن أعادهم ل28 يناير، اليوم الذي أقتحمت فيه أقسام الشرطة والسجون، خصوصا بعد أن نجحوا في إقتحام وحرق محكمة الإسماعيلية، ومحافظة الفيوم والجيزة، وعدد من أقسام الشرطة وكذلك بعض الكنائس، وأن الجيش سيرجوهم لتهدئة الوضع وإعطائهم ما شائوا، وهذا خطأ لسببين الأول أن الشعب لم يعد معاديا للأمن، بل معاديا لعدم إعادة الأمن بالقوة، والسبب الآخر أن تهديد “نحن أو الفوضى” لم يعد صالحا. تهديد “نحن أو الفوضى” إستخدمه الإخوان بعد إستقالة حكومة عصام شرف، تحديدا في المرتين التي إقترح المجلس العسكري البرادعي ثم موسى لمنصب رئاسة الوزراء، وإستخدموه قبيل إعلان نتائج إنتخابات الرئاسة، تحت عنوان فوز مرسي أو إحراق البلد. بالأمس كان بيد الإخوان فض الإعتصام ليتفاوضوا حوله، واليوم بيدهم الفوضى ليتفاوضوا حولها، وإذا لعبوا بالفوضى كما يبدو حتى اللحظة، فإنهم واقعيا يلعبون في آلة الزمن مجددا، وعندها قد يعيدون مصر لوقت عبدالناصر، ولا أحد يعرف عبدالناصر أكثر منهم.
اترك تعليقاً