في الجمعة الماضية، الجمعة الأخيرة قبل شهر رمضان المبارك، بتاريخ 29 يوليو 2011، والتي اتفق الفرقاء في مصر على التظاهر في ميدان التحرير، وتسميتها جمعة “توحيد الصف”، وقد اشتمل الفرقاء على حركات إسلاميه ويساريه وليبراليه، وقد كان في ميدان التحرير كل شي إلا توحيد الصف المصري، حيث حشد السلفيين عبر سيارات نقلت أنصارهم من صعيد مصر جنوباً إلى شمالها، بما يحتاجه هذا الحشد من وجبات وخلافه، ولم يكن الأخوان أقل تجهيزاً من أقرانهم.
وقد كانت شعارات المظاهرة التي اتفقت عليها مختلف القوى السياسية، وهي مطالبة حقوق الأهالي وأسر الشهداء بالقصاص، وإقرار الحد الأدنى للأجور، وإقالة النائب العام، والوقف الفوري للمحاكمات العسكرية للمدنيين، ومحاكمتهم أمام قضاه مدنيين، وقد أدى استئثار الإسلاميين بالميدان إلى انسحاب 33 حزباً وائتلافا وقوى، ليبراليه واشتراكيه وأغلب الأحزاب الجديدة، عدا الأحزاب الإسلامية.
ولم يقم الإسلاميين فقط بملأ الميدان ومن الخميس، بل قاموا أيضاً برفع شعارات مخالفه للمتفق عليه مع القوى الأخرى، فقد رُفعت أعلام عليها “لا إله إلا الله”، والتي تطابق علم السعودية شكلاً، ولنا عود لذلك، وقد حملوا شعارات مثل: ” إسلاميه إسلاميه .. رغم أنف العلمانية “،و “الشعب يريد تطبيق شرع الله”، و”إسلاميه إسلاميه .. لا ليبرالية ولا علمانية”، وكذلك تم رفع صورة قادة ورموز للحركات الجهادية والتكفيرية، أمثال أحمد ياسين و أسامه بن لادن.
بالطبع أصيبت جميع الحركات الليبرالية واليسارية وائتلافات الشباب بصدمة مما حدث، وأصيبت بالطبع التيارات الإسلامية بنشوة كبيرة كانت واضحة من خلال التصريحات، ومنها تصريح الشيخ عبدالمنعم الشحات، المتحدث بإسم الدعوة السلفية بالإسكندريه بأن: 95% من الشعب المصري يؤيد تطبيق الشريعة، وكذلك محمد سليم العوا، المفكر الإسلامي ومرشح الرئاسة المحتمل حين قال: الجمعة أكدت مطالب الثورة ومكتسباتها.
قبل الجمعة نشر الكاتب الإسلامي فهمي هويدي في جريدة الشرق القطرية، بعنوان “تلك الرسائل المخففة”، منتقداً الحركات العلمانية والليبرالية، وأن مقالاتهم وبرامجهم التلفزيونية، ادعت أن السلفيين سيزحفون على ميدان التحرير ويطردون العلمانيين، وأن في ذاك تخويف للمصرين، وقد كان للمفكر الإسلامي صفوت حجازي تبرير آخر، وهو أن إنفراد الليبراليين والعلمانيين واليساريين وخلافهم بقنوات الإعلام، من صحف وتلفيزيونات، هو الدافع للإسلاميين والسلفيين خاصة لإظهار أصواتهم عبر ميدان التحرير.
على الطرف الآخر، فُسر ما حدث في يوم الجمعة في ميدان التحرير، تزامناً مع هجوم من سلفيين على مركز شرطة بمدينة العريش في سيناء، بأنه تصرف من المجلس العسكري، ردة فعل على الضغوطات التي تزايدت في الشارع قبل هذه الجمعة، والتي بدأت تنادي بسقوط رؤوس المجلس العسكري، وبدأت بانتقاد أداءه ومحاكماته العسكرية، وما يسمى “تباطؤ يصل لحد التواطؤ” في محاكمات رموز النظام السابق، ففسرت الجمعة على أنها تهديد من المجلس العسكري، أما أنا أو الإخوان والسلفيين بشعاراتهم الاقصائية، ومشروعهم بالدولة الإسلامية لا المدنية.
وبين هذا وذاك المشهد عبارات التخوين التي تتعدى الداخل، فالمجلس العسكري اتهم صراحة حركة كفاية و 6 أبريل بالعمالة والحصول على أموال من الخارج، ولأن فكر الإبتكار أصبح معدوماً، فقد أصبحت حروف الاتهام واحده، مع إختلاف النقط والتشكيل، فالكل متهم بالعمالة والحصول على تمويل، لكن الليبرالي مدعوم من أمريكا والإخواني مدعوم من قطر وإيران، والسلفي تدعمه السعودية بزعمهم.
وقد كتب حمدي قنديل في الأول من أغسطس الموافق غرة رمضان، في صحيفة المصري اليوم مقال بعنوان : ” بلاغ إلى المجلس العسكري .. نطلب التحقيق في رفع الأعلام السعودية، وبالطبع فالعلم الذي يحمل “لا إله إلا الله محمد رسول الله”، وهي شهادة التوحيد كما يعلم الجميع، يرفعها كل التيارات الجهادية حتى من كان على خلاف مع السعودية، مثل حماس وطالبان، إذا راية التوحيد ليست حكراً للسعودية، وليس كل من رفعها مغرم بالنظام السعودي.
ولأن حمدي قنديل لديه مشكله مع السعودية، موجودة لدى كثير من اليساريين في مصر أمثال الكاتب أسامه أنور عكاشه، فكان لزاماً عليه أن يستعين بكاتب على نفس الشاكلة، ألا وهو روبرت فيسك كاتب الإندبندنت، الذي كتب – كما ينقل قنديل – : أن المملكة ستفعل كل ما في وسعها للحيلولة دون إنعقاد محاكمة مبارك، وكم كان القدر كريما أن كسب وزير الداخلية السعودية الأمير نايف قضيته ضد روبرت فيسك والاندبندنت وفي نفس التوقيت، وألزمتهم المحكمة بالاعتذار ودفع رسوم المحاماة، مما بيِن أن روبرت فيسك أيضاً لديه مشكله شخصية مع السعودية.
مقالة قنديل حملت الكثير من التجنيات، وكان فيها محاولة الاتهام والتعدي على السعودية ودس السم في العسل، كله من باب ظهور رايات التوحيد في ميدان التحرير، وبدلاً من التحليل السياسي للوضع في مصر، ينتقد قنديل أمور في السعودية ليس لها علاقة بالثورة مثل نظام الكفيل في السعودية، وحقائب حسين سالم التي ضبطت في مطار القاهرة، والتي أثبت أيضاً أن لا علاقة للسعودية بها – كما يتجنى في مقاله – مما يجعله مقال من نوع السب بطريقة حتى تتجنى على العقل المنطقي، ويتضح منها أن المقال أخذ حبره من دواة الموقف الشخصي ، أكثر منه واقع الميدان وتحليله.
خلاصة القول، وفي هذا الوقت الحرج في تاريخ مصر، والأمة العربية عامه، ودون إنكار العلاقة المميزة بين السعودية ومصر على مدى التاريخ، يتوجب علينا الوعي أن العلاقة بين السعودية ومصر هي علاقة متأصلة، علاقة شعبين متحابين.
ولأن العلاقة تتسامى على الأفراد، فالسعودية ليست غاضبه في الثالث من أغسطس يوم محاكمة الرئيس السابق،كما يزعم قنديل، بل جل السعوديين سعيدين أن بدأت المحاكمة، لأنهم يدركون أن هذا ما يريده المصريون، ألا وهو العدالة، وأن لا يكون أحداً فوق العدالة.
حمى الله مصر من شر أعدائها وشر بعض أبنائها ،،
موقع المقال على منتدى اقلاع
http://www.vb.eqla3.com/showthread.php?t=940616
موقع المقال على صحيفة الاقتصادية:
http://www.aleqt.com/2011/08/06/article_566772.html
اترك تعليقاً