يبدو أن الوضع المتأزم في مصر يشبه أكثر ما يكون صراع السلالم، تختلف الوسائل والشعارات، ويبدو بلوغ قمة السلم للعرش هو الغاية، فمحمد مرسي يعتبر رئيساً إلا «ربع»، نظراً لعدم قدرته على التعامل كزعيم للبلاد، لا من حيث تحقيق مصالح العباد، ناهيك عن شخصية الرئيس، وبالطبع استقلاليته التي أيقن الجميع بعدمها.
المعارضة متخبطة ومن دون أجندة واضحة، كل تركيزها منصب على سحب الرئيس مرسي من أعلى السلم، انقسام السلفيين بين حزب النور والوطن والراية «حازم أبو إسماعيل»، لم يؤثر إلا في زيادة المسافة بين الحرية والعدالة «الإخوان» وأقرب منافسيه، ولم تؤد، مع الأسف، إلى تحييد الدين عن السياسة، حين يصبح هناك متنافسون يحمل جميعهم شعاراً سياسياً.
مصر تشهد حالاً من عدم استقرار في أماكن عدة، حال الاستقواء أصبحت حاضرة من الجميع، فقد كانت الوقفات الاحتجاجية معطلة لعجلة الإنتاج إبان قيادة المجلس العسكري للبلاد، تطورت في عهد مرسي وحكومة قنديل إلى قطع الطرقات والسكك الحديدية، والاعتداءات على رجال الشرطة أصبحت هي الأصل، سلطة الدولة الممثلة في رجل الأمن قُوضت بالكامل، مدن القناة قاربت تحولها لجزر مستقلة، لاسيما بورسعيد.
إذا عدنا إلى السلم، سالف الذكر، فسنجد أن الوحيد الممسك بالسلم من الأسفل هو الجيش، ولقد أصبح لافتاً بقاء الجيش كمعيار لمدى ضخامة التغيير، وهل حدث ما هو تغيير بالفعل؟ أم موجة عابرة، ما عبر عن تماسك مؤسسه الجيش، وكون إزاحة المشير طنطاوي والفريق عنان، هو بالفعل انتهاء ثورة 25 بالكامل، ولكن الفريق السيسي أثبت عبر أدائه أن الحقبة الجديدة للجيش المصري، تعبر أيضاً عن استقلاليته وبقائه على الحياد من جميع الأطراف.
الجيش عبر مناسبات عدة رفض أن يكون طرفاً في النزاع، كما أرادت جميع الأطراف، فقد رفض الجيش قمع المتظاهرين في بورسعيد، بعد حظر التجول، وبعد قرارات المحكمة في قضية مباراة المصري والأهلي الشهيرة، واكتفى الجيش بحماية المنشآت، وهو ما جعل الإخوان يجربون بالونة اختبار، عبر تسريب أنباء عن إقالة الفريق السيسي من قيادة الجيش، وهو ما جوبه بالغضب الشديد من المؤسسة العسكرية، فتراجعت الرئاسة المصرية وعادت لتشكر الجيش على حمايته للمؤتمر الإسلامي بعد شهر من حدوثه.
الجيش بعد الغصة الشديدة التي يشعر بها، جراء سيل الانتقادات التي تعرض لها خلال المرحلة الانتقالية، ناهيك عن التجريح المستمر والنيل من هيبته، لا يبدو مستجيباً لأي دعوة لإسقاط النظام الحاكم الآن، تمسكاً منه بالبقاء على الحياد، وربما فهماً للمرحلة التي تعيشها مصر، التي لا ينجو أي طرف مشارك فيها من الإهانة.
مصر كلها تنظر للمشهد بترقب، وكل ما له علاقة بأوضاع الناس يسوء، لاسيما اقتصادياً وأمنياً، المصالح الضيقة والمنافع الآنية أصبحت هي دافع ومحرك السياسيين، وكل الخشية أن يتمدد ما يحصل في بورسعيد لمناطق أخرى، لاسيما مع زيارة «كيري» الأخيرة لمصر، التي باركت بقاء «الإخوان» وإجراء الانتخابات، لأن نتيجة ذلك ستكون سقوط السلم بمن فوقه على الجميع.
جريدة الحياة
21 مارس 2013
اترك تعليقاً