كاسباروف

لا بد أن نبقى في الأذهان إبان مطالعتنا للأزمة السورية، أن الروس من أمهر الشعوب في لعبة الشطرنج، ولعبة الشطرنج بادئ ذي بدء يفوز بها اللاعب ذو النفس الطويل، كما أنها لا تنتهي بخسارة أكبر عدد من الجنود، ولا حتى بخسارة الوزير أو بعض الفيلة، ولكن معيار الحسم فيها هو موت الملك، وهو ما يُسمى في اللعبة بـ«كش ملك»، واللاعب الروسي غاري كاسباروف هو أفضل لاعب في تاريخ اللعبة وبطل العالم خمس مرات.

كما أن بعض اللاعبين قد يحرك بعض الجنود ليجعلهم في مرمى الخصم، خداعاً للخصم كي ينغر بهذا الصيد السهل قبيل وقوعه في الشبك، وبالتالي الخسارة الأكبر، والتحرك الأخير من سورية بنقل بعض الأسلحة لحزب الله في لبنان، ما جعل الإسرائيليين يتحركون لضرب قوافل الأسلحة في سورية، كأول تحرك إسرائيلي في سورية منذ إندلاع الثورة قبيل عامين، وقد كان الحذر الإسرائيلي هو الديدن، أولاً: لراحة إسرائيل للجار الأسدي الأفضل في حفظ أمن إسرائيل وسلامة الجولان، وثانياً: وهو عدم منح أي قدسيه للنظام الأسدي عبر ضربه، وهو ما يبدو مراعاة لرغبة الأميركان في عدم التدخل في سورية، وجعل السقف يقع على من بالدار تدريجياً.

الحدث الآخر واللافت في الأزمة السورية، هو مبادرة معاذ الخطيب، رئيس الائتلاف السوري المعارض، وهو جسد المعارضة الذي ضم «معظم» أطياف المعارضة السورية، وقد وافق الخطيب على محاورة النظام، عبر أحد الرموز التي لم تلطخ أيديها بالدماء، كما يقول، مقترحاً فاروق الشرع نائب الرئيس السوري، على ألا تخرج المفاوضات عن رحيل النظام، ثم عاد واشترط إخراج جميع السجينات من النساء، ثم التقى الخطيب من رفض لقاءهم سابقاً، كوزير الخارجية الإيراني ومسؤولين سوريين.

وإذا عدنا إلى الأشهر السابقة نجد أن أكبر إنجازات الثورة السورية، كان توحد معظم أطياف المعارضة في جسد واحد، لاسيما واللوم الذي كان يلقيه الكثيرون، خصوصاً في الغرب، هو عدم وجود بديل واضح للنظام، يقدم الضمانات المطلوبة، وعلى رأسها السيطرة على السلاح بعد رحيل الأسد، وهو ما يعني تحجيم أي حركات إسلامية متطرفة، ليحقق الهدف الأهم في النهاية وهو سلامة الحدود الإسرائيلية.

وعليه كانت الإشارات التي دفعت الخطيب لاقتراح المبادرة، لابد أنها أتت من أطراف ذات علاقة بالنظام، لاسيما ومعظم مكونات المعارضة مخترقة، فهذا النظام حتى ما قبل عامين كان يحسب حتى على المواطنين أنفاسهم، وفيما يخص المبادرة فقد بدت حكيمة، لوقف حمام الدم ووجود خروج آمن للأسد، على طريقة المبادرة الخليجية التي قدمت لعبدالله صالح، ولكن المبادرة وإن قبل بها أطراف براغماتية كجماعة الإخوان، التي ينتمي إليها الخطيب بالمناسبة، فمؤكد بأنها لن تكون مقبولة من أطراف أخرى في المعارضة، وهو ما يؤدي إلى الهدف الأسمى للأسد، وهو شق جسد المعارضة مجدداً.

الأسد يعرف جيداً أن أكثر بلد يعرف كل ما يدور في سورية هو إسرائيل، وأنهم لا يحتاجون إذناً من أحد لزيارته وضرب أسلحته، متى ما تجاوز الخط الأحمر، تماماً كما فعلوا في نهاية التسعينات، حين قصفوا مقرات مشتبه في أنها مفاعلات نووية، ثم تركوا له الخطب العصماء عن المقاومة، والتوعد بالرد الذي لم يأتِ بطبيعة الحال، وبالتالي فالأسد أراد أن يعطي رسالة للغرب بأنه لم يستخدم ورقة حزب الله بعد، وأن بإمكانه نقل المعركة  وجر إسرائيل لحرب جديدة في جنوب لبنان.

الأسد كما تعلم من الروس، يعلم أن الوقت، والوقت فقط، قد يُفشل الثورة، حتى ولو سقطت نصف سورية من يده، فقد رأى القذافي وهو قاب قوسين أو أدنى من استعادة السيطرة على ليبيا لو أُمهل أسابيع، التحركات الأخيرة للأسلحة كانت استعراض قوة، وبالتالي الإشارة إلى أن النظام لا يزال يملك أوراقاً، ما ضغط على المعارضة للحوار، حتى يشق وحدتها التي حدثت بمعجزة، وبالنتيجة فالأحداث الأخيرة هي فصل جديد من الأزمة، لا خطوة في طريق الحل.

جريدة الحياة

http://alhayat.com/OpinionsDetails/482976

الخميس ١٤ فبراير ٢٠١٣


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *