هجرة عكسية، من بلد الوحي إلى بلد العلم، لم تعهدها الأجيال السابقة منذ قرون، مشايخ سعوديون يشدون الرحال لزيارة بلد الأزهر، منارة العلم، من نافح عن السنة وخاض مناظرات طوال مع الشيعة المختلفين معه في المذهب، ومن أوقع أشد الضرر بسنة العراق ومعتدليه، عبر شتم «السيستاني» قبيل الانتخابات البرلمانية، نراه في المحروسة يعانق القساوسة – المختلفين معه دينياً – ويهديهم المسك ويقبل هديتهم، ويخطب قبل أن يزور مصر مادحاً أقباطها.
وشيخ آخر يخط على «تويتر»: بأن مرسي وكز مبارك فقضى عليه، بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية في يونيو (حزيران) الماضي، ومن نافلة القول أن تجرأ أي شخص ليبرالي على سبيل المثال، على القول بما يشبه ذلك سيجعل الكثيرين يطالبون بمعاقبته، وتبادل المشايخ السعوديون الظهور على القنوات المصرية الخاصة والعامة، بل وبث خطبة الجمعة لشيخ سعودي من جامع عمرو بن العاص بالقاهرة، ما يستبعد أي احتمال أن الزيارات تمت بالمصادفة أو من دون التنسيق مع المؤسسات الحكومية المصرية. مشاهد زيارة المشايخ السعوديين لمصر، قد تعتبر، عند التحليل الأولي، هي فرحة وسعادة بوصول تيار إسلامي للحكم في مصر، وهي من بين زيارات الأشقاء في البلدين الكبيرين، وبين الشعبين اللذين يفرقهما البحر ويجمعهما الكثير، وربما قد نذهب أبعد من ذلك لربطها بطموحات لتيارات معينة في السعودية، محسوبة على النظام الحاكم في مصر وجدانياً على أقل تقدير. لكن المتابع للشأن المصري، والفترة التي تحدث فيها هذه الزيارات، التي تأتي بين معركة الدستور، أعتى المعارك بين جميع الأطراف في مصر، وقبيل الانتخابات البرلمانية التي انتهى مجلس الوزراء المصري من إقرار قانونها، وعلينا ألا ننسى أنه إبان المعركة الدستورية، كان المحسوبون على الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، المرشح المحسوب على التيار السلفي، والقريب من الإخوان، ومن خيرت الشاطر تحديداً، محاصراً لمدينة الإنتاج الإعلامي. الشيخ حازم أبو إسماعيل خلال الأيام الماضية، أسهم في شق حزب النور، الذي كان أكبر الأحزاب السلفية وثاني أكبر كتلة برلمانية في البرلمان السابق بنسبة وصلت لربع البرلمان، وكان على رئيس المنشقين رئيس حزب النور الدكتور عماد عبدالغفور، الذي يشغل منصب مساعد رئيس الجمهورية للتواصل المجتمعي، ورافقه في استقالته 150 آخرون من قيادات الحزب، وبعدها أسس حزب الوطن، الذي كانت أولى خطواته سياسياً الدخول في تحالف مع الشيخ أبو إسماعيل، وهذا التحرك أدى لشق الصف السلفي، وبالتالي استحالة دخولهم الانتخابات البرلمانية في قائمة موحدة، وبالتالي تفتيت أقرب المنافسين لحزب الحرية والعدالة.
على صعيد آخر كان تعامل المسؤولين مع المناسبات القبطية لافتاً، إذ اعتذر الرئيس مرسي عن عدم حضور تنصيب الأنبا تواضروس في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وأوفد رئيس الوزراء هشام قنديل لحضور المراسم، وأخيراً لم يحضر قنديل أعياد الميلاد، وأوفد بدلاً منه وزير الزراعة، وقد عبر الأنبا تواضروس عن مخاوف عدة، من اعتبار الأقباط مواطنين من الدرجة الثانية، خصوصاً مع تزامن أعياد هذه السنة مع فتاوى عدة تُحرم تهنئة المسيحيين بأعيادهم.
يبدو أن التغطية الإعلامية المكثفة لزيارة المشايخ السعوديين لأرض الكنانة، وقائمة الزوّار التي لا تزال مستمرة، هي حيلة ذكية لإشغال الإعلام بها، وإشغال الشعب بمدح أو سب هذه الزيارات، كلٌ بحسب هواه، وما ذاك إلا للتجهيز للانتخابات البرلمانية، عبر تجهيز قانون الانتخابات، إضافة لتفتيت أقوى المعارضين، إضافة إلى الجهد المجاني الذي تقوم به الأحزاب اليسارية والليبرالية في المعارضة، عبر الالتزام بالتفرق الدائم، ما يؤدي لحصول حزب الحرية والعدالة على أكثرية برلمانية على طريقة الحزب الوطني، وبأساليب تشابهه كثيراً.
جريدة الحياة
http://alhayat.com/OpinionsDetails/476669
الأحد ٢٧ يناير ٢٠١٣
اترك تعليقاً