أشاهد الأخبار على العربيه،فأرى مٌسألة مجلس العموم البريطاني لديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني عن علاقته بقضية روبرت ميردوخ، وفضيحة التسجيلات لمسئولين، والتي قامت بها نيوز كورب، وتحديداً صحيفة نيوز أوف ذا وورلد، التي أغلقها ميردوخ تبعاً للفضيحه بعد أكثر من مئة عام، كواحدة من أهم صحف الفضائح في بريطانيا، وكاميرون كان وزير حكومة الظل أي في المعارضة وأتى للحكم بالديموقراطيه، وأرى آد مليباند رئيس وزراء حكومة الظل و”الشاب” أيضاً يواجهه بالحجج والمنطق، وبالأدب عبر إستخدام “سيدي الرئيس”.

ونعود بالذاكرة إلى اليوم الذي يليه، ومسألة روبرت ميردوخ وابنه أيضاً، ثم نذكر حادثة محاولة الاعتداء عليه، وكيف أن المحققين أعادوا الاعتذار منه على هذا الاعتداء عند انتهاء الاستجواب،إذا هناك قانون ترعاه دولة قانون،يساءل أكبر المسئولين، وهناك تداول للسلطة وهي أرقى قيم الديموقراطيه، وهناك حزم مقابل الغوغاء -التي تعتبر الشذوذ عن القاعده في بريطانيا-، إن عبر ممارسة الشخص المعتدي على ميردوخ،أو عبر لافتات المتظاهرين المطالبه بتدمير إمبراطورية ميردوخ، فحتى المتهم له حقوق يكفلها القانون.

ونذهب إلى مصر التي شهدت مظاهرات، مطالبة بإعدام حبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق، وبإعدام الرئيس المتنحي محمد حسني مبارك، وهنا الفارق، ففي دولة القانون يدعو الأفراد ومؤسسات المجتمع لمحاسبة المسئولين والمتنفذين، ويكون لهم بالطبع حق جلب محاميين،ويكون المنطق الحاكم كما يقول أحمد راتب في فيلم السفارة في العمارة :” نحن لا نأخذ حقنا منهم إلا بالقانون”، والمشهد المؤلم في مصر الذي تمنينا أن نشاهد فيها الحرية والديموقراطيه تنشأ بسويه، ليأتي المظلومين مطالبين بظُلم الظالم، وهذا لعمري ممارسة للديكتاتورية بعد تنحية الديكتاتور.

إن المشهد الذي نراه عربياً على وجه العموم يشي بمقدار جهلنا بممارسة الديموقراطيه، حالما حصلنا على جزء من السلطة، أو إسائتنا التعبير حين نحصل على حرية التعبير، ففي تونس الجميع يعادي الجميع، ذهب الديكتاتور وظل اللعاب السائل على السلطة مدعاة النزاع بين الجميع، في بنغازي اختلف المجتمعون على فيدرالية الدولة من عدمها، والقاسم المشترك رفض الآخر المختلف، رغم أن الثوار في بنغازي ما زالت قواتهم على بعد 700كم عن طرابلس، مما يبين كيف كان الإعلام خادعاً عن مدى شعبية وقدرات القذافي ومن حوله العسكرية والإجرامية، رغم كل الانشقاقات وحظر الطيران و ضربات الناتو.

عوداً إلى مصر التي غضب شبابها يوماً على برنامج على الهواء في قناة الصفوة على شبكة أوربت، حين قالت د.لميس جابر :”بأن الشعب المصري غير مستعد للديموقراطيه”، في مصر سمة الثورة الآن هي التخوين لكل من مر بجوار الحزب الوطني يوماً، سياسيا كان أو رياضيا أو فنانا، متناسين أن الحزب الوطني في مصر كان كحزب البعث في العراق، بطاقه تسهل عبورك من نقاط التفتيش المروريه، ونقاط كثيره غيرها في الحياة، بل إن الناخب لا سيما في الأقاليم يصوت لمرشح الحزب الوطني، لأنه الأقدر على تقديم الخدمات للمنطقة وتلبيه الحاجات، ومن نافلة القول أن التصويت لم يكن إعجابا ببرنامج الحزب السياسي.

في مصر المحروسة الاتهامات أو الإهانات إن شئت جاهزة ومعلبه، فالإخوان متعاونون مع إيران وشواهد الهلباوي وعاكف تدل، ونصف وزراء حكومة شرف كانوا لجنة سياسات، ووزير السياحة فخري عبدالنور “الوفدي” قريب لبطرس غالي وزير الماليه في النظام السابق، وائل غنيم أحد رموز ثورة 25 يناير،خاله سعد الدين إبراهيم صاحب مركز إبن خلدون، أي عميل أمريكي، القرضاوي وإبنه الشاعر وهيكل أجنده قطريه، البرادعي عميل ومنتج غربي، بل وصلت بعض المواقع الإلكترونيه المحسوبه على الإخوان إلى وصف د.عمرو حمزاوي بالماسوني.

جميع الأوصاف والتهم التي قد يتناقلها الخصوم قد تكون صحيحة، لكنها ليست عيباً في المطلق، ولكن غياب لغة الحوار هو ما يجعلها في غير محلها،فالضعفاء يناقشون الصفات والأشخاص، والعقلاء يناقشون الطروحات ولا يقفزون للنوايا، فأن يكون الشيطان قريبي ليس جرماً أُخُذ به، فحتى في الإسلام لم يُؤخذ خيار الصحابة بجاهلية أقرب الناس لهم.

إن فشل الممارسة الديموقراطيه، دليل شح الخبرة بها، وعدم القدرة على العدل حين الحصول على سلطة القول والفعل، دليل حداثة عهد بها، يجب أن نعترف بأننا لسنا ديموقراطيين، ولا قادرين على إدارة الحرية المسئولة بعد، وهذا ليس عيباً، بل إن الاعتراف بالمشكلة هي أولى خطوات الحل، لا يهم هل السبب المصريين -والعرب عموماً- أم التعليم أم النظام السابق،فنقاش كهذا لا يفيد، ويجب أن ندرك أيضاً أن أعرق ديموقراطيات الغرب في بريطانيا وألمانيا مثلاً ظلت عقوداً من الزمان حتى ترسخت على الشكل الذي نراه اليوم.
الديموقراطيه ليست وجبه جاهزه نتناولها فنصبح ديموقراطيين ، الديموقراطيه ممارسه، والممارسه تعني القيام بالأخطاء، ثم تكرار الممارسه بأخطاء أقل، الديموقراطيه ليست حكم الأغلبيه فقط، بل هي حفظ حقوق الأقليات، وأولا وأخيرا حفظ إستقلالية القضاء وحكم القانون، ومحاسبة الجميع حيث لا أحد فوق القانون.

في مصر اليوم، أخطر شئ أن يُصدِر الحكم الشارع لا المحكمه، في مصر اليوم الخوف أن يخشى القاضي أن يحقق العدالة، لا سيما إذا أحس أن تحقيق العدالة مخاطرة بحياته،في مصر اليوم أصبح الاختلاف كل القضية، فمن حق أي احد سب مبارك،وليس من حق أحد أن يقول أنه يحب مبارك، الخطر المحدق في مصر هي ثورة الجياع، الذين يأتي الرغيف عندهم قبل السياسه، ملايين تعمل في السياحة والتجارة بلا دخل يذكر، والعديد يعملون باليومية، مظاهره أمام الدكان الذي يعمل فيه قد تحرمه قوت يومه، حوالي مليونين عادوا من ليبيا مذعورين، دون أي تخطيط وربما دون تحويشة العمر، ولا يبدون عائدين لأعمالهم في المدى المنظور،
هولاء إن انتفضوا أكلوا الأخضر واليابس.

حمى الله مصر من كل مكروه

 

20 يوليو 2011


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *