هناك عاملان رئيسان يدفعان لعدم الحسم في سورية عبر جهد الأطراف الخارجية، يأتي على رأسهما الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي تدفع الرئيس أوباما للحذر من أي مغامرة، قد تكلفه ضياع فرصته في الفوز بفترة رئاسية ثانية، العامل الآخر هو التراشق الإعلامي – التمثيلي في نظري – بين إسرائيل وإيران، حول التقدم في برنامج إيران النووي والتهديد المستمر من لدن إسرائيل بالقيام بضربة لإيران بشكل انفرادي، وهو ما حذر إسرائيل منه صراحة وزير الدفاع الأميركي بانيتا.

في سورية نظام يحسن إشعال الحرائق خارج حديقته، كما اعتاد في لبنان وفي العراق منذ 2003، وفي مناطق عدة في المنطقة العربية والخليجية تحديداً، في لبنان فُضح مخططه لإشعال فتنه طائفيه عبر أحد «مناديبه» في لبنان وهو الوزير والنائب السابق ميشال سماحه، وأصابع سورية لا تبدو بعيدة من محاولة اغتيال الجنرال ميشال عون، صديق اليوم وعدو الأمس، إذ أبدى التيار الوطني الحر برئاسة ميشال عون في البرلمان امتعاضاً من سياسات بعض الأطراف في تيار 8 آذار الذي ينتمي إليه، لاسيما كتلة أمل برئاسة نبيه بري.

النظام في سورية أيضاً يحسن توظيف الأزمات الخارجية حتى ولو لم يكن له فيها ناقة ولا جمل، لتجد للأزمة سبيلاً يصب في صالحه، فأزمتي اختراق الحدود بين مصر وإسرائيل، تلك التي حدثت قبل أيام وأدت لمقتل جندي إسرائيلي، والأخرى التي سبقتها في رمضان عند الإفطار، وما في عدم استقرار الحدود مع إسرائيل من رسائل، تدفع إسرائيل للضغط على الولايات المتحدة الأميركية لإبقاء الوضع السوري كما هو عليه.

النظام الأسدي على صعيد آخر لن يجد أفضل من ردود الأفعال على الفيلم المسيء للرسول «صلى الله عليه وسلم»، الذي بلغ أقصاه في ليبيا عبر مقتل السفير وثلاثة من الديبلوماسيين، حتى يستغله بشار في إرسال رسائل للغرب مفادها أن الدول التي دعم الغرب الثورات فيها، أدى ربيعها للإتيان بأنظمة لا تستطيع الحفاظ على البعثات الديبلوماسية على أقل تقدير.

الخطر في كل هذه الجعجعة السورية، وما هو أبعد من إشغال الرأي العام العالمي، أو تأجيل تدخله، هو التقدم الذي تحرزه قوات الأسد على الأرض، وبدعم واضح من حلفائها في روسيا وإيران، إذ أعلن اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس – وبما يشبه السخرية الفجة – وجود قوات من الحرس الثوري الإيراني في سورية ولبنان لتقديم خدمات «استشارية»!

وهذا التسويف الذي تتلمذ عليه السوريون في المدرسة الإيرانية، والتأخر في اتخاذ قرارات جادة حيال حقن الدم السوري، سيترك المجال لقوات الأسد وحلفائهم لتغيير الواقع في الأرض، فبعد أن تمكن الجيش السوري الحر من السيطرة على معظم أجزاء حلب وأحياء من دمشق، بل وقطع حبل الإمدادات البرية المقبلة من العراق، إضافة إلى السيطرة على الحدود السورية التركية، انقلبت الحال وتمكنت قوات الأسد بالفعل من استعادة السيطرة على الكثير من المناطق التي سقطت في أيدي الجيش الحر مسبقاً.

دعونا لا ننسى أن مرتزقة معمر القذافي كانوا على بُعد أميال من بنغازي، قبل إصدار قرار مجلس الأمن بساعات، ولو أن قرار مجلس الأمن بحظر الطيران تأخر لأسابيع، لوجدنا الثورة الليبية وئدت عن بكرة أبيها، ووجدنا الثوار الليبيين معلقين في زنازين القذافي تحت الأرض، وهذا ما لا نتمناه للأحرار في سورية.

الموقع الشخصي

30 سبتمبر 2012


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *