أمريكا بين سفارتين

يغادرنا عام 2019 بعد أن توقعنا أن يكون عاما تعب فيه الجميع من النزاعات التي مزقت العالم العربي، وأن يكون إطفاء الحرائق في ليبيا واليمن وسوريا ثمرة هذا عام، بعد سنوات من الحروب اندلعت في 2011 وجعلت الدولة الوطنية في عديد من العواصم وجهة نظر.
ولأن العنوان الأبرز للعام المنصرم هو العقوبات القصوى على إيران، فقد كان متوقعاً أن يكون عام صراع مع إيران، مع رغبة لدى كل الأطراف ما عدا إيران لتجنب الحلول العسكرية.
ولأن العقوبات كانت اقتصادية فقد تأثرت العواصم العربية الأربع التي يتفاخر الحرس الثوري بالسيطرة عليها، خاصه العاصمتين اللتان لم يضربهما زلزال الربيع العربي، وهما بغداد وبيروت، وذلك لعدة أسباب أبرزها أن ليس في تلك العواصم ديكتاتور يطالبه الشارع بالرحيل، بل هي طبقة سياسية كاملة تترابط بالمحاصصة، وبالتالي يحتاج النظام لحلاقة شعر بالكامل .
الحاكم الفعلي في البلدين هو قاسم سليماني، مع خصوصية محفوظة للبلدين، غير أن الأطراف المشاركة في التركيبة السياسية أو الجيوش الوطنية لا تملك ترف قرار السلم والحرب.
سوريا واليمن على العكس ارتفعت أولويتها في نشرات الأخبار، واختفت في أيام عدة من الأخبار، كأن هناك جموداً في المسارين السياسي والعسكري، وكانت اليمن أقل لفتا للانتباه من سوريا، عدى عن صورايخها ومسيراتها التي استهدفت بعض المدنيين في المملكة.
نزل الجزائريون والسودانيون الشارع، فتسارع ناسخو التحليلات ليسموها الموجة الثانية من الربيع العربي، وألحقوا بها ثورة العراق ولبنان، بينما العراق ولبنان لا يمكن ربطهما إلا بإيران التي تجثي على قرار العاصمتين، وتأثرت تلك العواصم بالعقوبات الإيرانية كثيراً، وبالخشية الإيرانية أن هذه الشوارع العربية، ستنضج اتفاقا مع أمريكا يضيف للإلتزامات النووية، خروجاً من العواصم العربية.
والرمزية الكبرى للعراق خروج المكون العربي الشيعي، منتفضا على إيران لإدراكه أن الطبقة الحاكمة ما هي إلا دمى في يد الولي الفقيه، وبالتالي لم يضيع الشباب العراقي وقتهم بعنوان خاطيء، والشيعي في العراق يدرك أن إيران لا تضيف شيء لشيعيته، فعلي في النجف، والحسين في كربلاء، ولديه مرجعيته التي يتبعها في النجف، إذا إيران من تستفيد منه شيعياً واقتصادياً وسياسياً.
وفي مقال بعنوان “رد واشنطن العسكري على طهران” أغسطس الماضي، ذكرت بأنه (في المعركة مع إيران الألم الاقتصادي يصيب الداخل الإيراني ويسبب الضغط الشعبي، أما الألم العسكري فيحدث باستهداف أذرع إيران، لأن إيران لا تتحمل معركة عسكرية مباشرة)، وبالتالي فمضيق هرمز والعراق يمثلان الساحتين الأمثل لكسر العظم بين البلدين، ويعد العراق خياراً أفضل لإيران لأنه يزعج واشنطن منفردة.
اليوم بعد رد عنيف من واشنطن على قواعد حزب الله في العراق، وقتل عدة قيادات، قام عناصر الحشد الشعبي بإقتحام ساحة السفارة الأمريكية، في مشهد يشابه إقتحام العناصر الإيرانية للسفارة الأمريكية في طهران، وإحتجاز الموظفين كرهائن لأكثر من أربعمائة يوم.
هذه الحادثة تدل على أن الأمريكان تعلموا الدرس، حيث غادر السفير وأغلب موظفي السفارة، وتدل أيضا على أن إيران بعد أربعين عام على الثورة، أصبحت أبعد ما يكون عن سن الرشد.

الموقع الشخص

4 يناير 2020

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *