تحليل: كيف يُنظر إلى زيارة ولي العهد السعودي لأوروبا والولايات المتحدة؟

تمتد جولة سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الولايات المتحدة لما يقارب الثلاثة أسابيع، حيث يزور خلالها سبعة مدن أمريكية، مما يوحي بتنوع أهداف الزيارة؛ فهي في مستواها العسكري تؤكد تصميم السعودية على السير نحو أحد أهم أهداف رؤيتها والمتعلق بتوطين الصناعات العسكرية بنسبة تُقارب الخمسين في المئة بحلول العام 2030.
المملكة، وبحسب رؤيتها، ترى أن بناء قدرة عسكرية توازي قوتها الاقتصادية والسياسية، وتتناسب مع الثقل الذي تمثله في العالمين العربي والإسلامي، هو ركيزة مهمة من ركائز قوتها. ولكنها تتبع اليوم توجهاً مختلفاً على مستوى التطبيق عمّا كانت تقوم به في العقود الماضية؛ فالتدريب ونقل المعرفة أصبحا شرطان ملزمان في الصفقات، كما أن سلة الدول التي تزود المملكة بالسلاح أو تسهم في دعم الصناعات العسكرية السعودية، أصبحت أكثر تنوعاً، وهذان الأمران يساهمان في دعم استقلالية المملكة.
كما أن القوة العسكرية والأمنية للسعودية، والتي تجاوزت التوقعات سواء في الحرب في اليمن ضد ميليشيات الحوثيين، بيّنت التطور في القدرات مقارنة بالماضي، تماماً كقدرتها على المستوى الأمني في العمليات الاستباقية في مكافحة الإرهاب. هذا الأمر يمثل قوة ردع تصدت وتتصدى لطموحات دول إقليمية حاولت وتحاول إحداث اختراقات وملء الفراغ الذي مثله تراجع عدة دول، وعلى رأسها العراق بعد العام 2003.
ويجب التنويه هنا إلى أن القوة العسكرية السعودية الرادعة ليست قوة عدوان، بل هي قوة دعم للأمن السعودي وللمصالح العربية في المنطقة.
وهي ضرورية، وهو ما يتضح من خلال الأمثلة، ولعل أبرزها النموذج السويسري. فسويسرا دولة حياد لا تصطف مع أي طرف في النزاعات التي لا تتعلق بسيادتها وأمنها؛ وتُعتبر جنيف إحدى أشهر مناطق الحوار بين أطراف النزاع الدولية؛ وعلى الرغم من ذلك، تُطبق سويسرا نظام التجنيد الإجباري للمواطنين، ولديها قوات برية وجوية. وبالتالي، لم يجعلها توجهها السلمي تُغفل أهمية الجيش كرادع وحامي لسيادتها وأمن مواطنيها.
زيارة ولي العهد تمثل أيضا توضيحاً وتوعيةً فيما يتعلق بالخطر الإيراني في المنطقة، والذي يمثل استهداف المدنيين الآمنين في المملكة عبر الصواريخ البالستية التي تُطلق من اليمن نحو السعودية، والتي أدى آخرها لمقتل مقيم مصري يعمل في المملكة لإعالة عائلته؛ فقد اطلق الميليشيات اليمنية الموالية لإيران سبعة صواريخ نحو مدن سعودية، وبعدها بأيام أطلقت صواريخ استهدفت قطعاً بحرية تابعة للتحالف العربي، لكنها سقطت بالقرب من مناطق انطلاقها، وأصابت مخازن تابعة لبرنامج منظمة الغذاء العالمي كانت تحوي مساعدات غذائية وصلت لليمن للتخفيف من معاناة الشعب هناك.
وخلال جولته الأميركية، التقى ولي العهد مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونائبه، إضافة لعدة نواب في الكونغرس ومجلس الشيوخ، يمثلون الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وقدم الدلائل على مخالفة إيران للمواثيق الدولية. والتقى أيضا في نيويورك بالأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وبمندوبي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، حيث بين ضرورة أن يتحمل مجلس الأمن المسؤولية تجاه الانتهاكات الحوثية والخرق الإيراني لقرارات مجلس الأمن، وضرورة احترام المعاهدات والمواثيق الدولية والقانون الدولي واتفاق الأمم المتحدة.
يُذكر أن السفيرة الأمريكية للأمم المتحدة نيكي هيلي، سبق وأن عرضت في ديسمبر الماضي، لأجزاء من بقايا صاروخ كان قد استهدف العاصمة الرياض، وأكدت على أن الصاروخ صُنع في إيران التي أرسلته للحوثيين، وهو ما عادت لتؤكد عليه فرنسا بحسب معلوماتها الاستخبارية.
وحققت استراتيجية عرض الدلائل والحجج جدوى كبيرة، حيث رد الكونغرس قرار تقدم إلى المجلس بهدف وقف الدعم للمملكة في معركتها ضمن التحالف العربي، لدعم الشرعية في اليمن.
صحيح أن الطريق السياسي اصطدم بالفيتو الروسي قبل بضعة أشهر، حين كانت بريطانيا قد قدمت قراراً يدين إيران بسبب تزويدها الحوثيين بالسلاح، إلا أن التواصل السعودي الروسي المستمر، بالإضافة للضغوط على موسكو، قد تؤدي لدفع إيران للتخلي عن دعم الحوثيين.
وخير شاهد على الموضوع أن الجهود الدبلوماسية السعودية قد نجحت بالفعل في تمرير عدة قرارات أهمها القرار 2216.
وفي إطار جولته، كان لولي العهد السعودي عدة لقاءات إعلامية، لعل أبرزها كان مع مجلة التايم الأمريكية، عن ضرورة بقاء القوات الأمريكية في سوريا، حيث أن  الوجود الأميركي في سوريا هو السبيل الوحيد لإيقاف تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة، وهو أخطر مشاريع إيران للإضرار بالأمن العربي، عبر خط يربط طهران ببيروت مرورا بالعراق وسوريا.
كما كان توضيح الخطر الحقيقي الذي يمثله السماح ببقاء الحوثيين كقوة عسكرية تتفوق على اليمنيين بواسطة السلاح، وهو ما يمثل خطراً على المستوى الاستراتيجي، لأنه يمثل في حقيقة الأمر استنساخاً لنموذج حزب الله اللبناني في اليمن، مما يمثل أداة تتحرك بحسب مصالح طهران، وحاجتها لابتزاز القوى الدولية والإقليمية.
ويتمثل خطر “أنصار الله” الحوثيين في اليمن، فيما لو استمر وجودهم بهذا الشكل، في تهديد الملاحة البحرية التي تربط البحرين المتوسط والأحمر بالمحيط الهادئ وبحركة مرور البضائع من أوروبا والشرق الأوسط إلى آسيا وجنوب-شرق أفريقيا، وهو مكان تمر من خلاله 12% من حركة التجارة الدولية.

وعلى ما يبدو، فإن الهدف من خلق الميليشيات الموالية لإيران في عدة دول عربية، هو الحفاظ على المكتسبات الإيرانية وعلى رأسها الاتفاق النووي، إضافة لاستعمال هذه الميليشيات كأدوات لابتزاز الغرب والعرب.
ولعل ولي العهد ذكّر في أحد لقاءاته، بحادثة اختطاف رهائن من عدة دول غربية في بيروت من قبل عناصر موالية لإيران “حزب الله”، كانوا في نهاية الأمر أداة للتفاوض مع دولهم من أجل مصالح إيرانية.
وبالحديث عن الاتفاق النووي، تُظهر الزيارة تقاربا بين السعودية والولايات المتحدة حول عدم جدوى الصيغة الحالية لهذا الاتفاق.
فبعد ثلاث سنوات، وعوضاً عن انضمامها للمجتمع الدولي، وتحولها لدولة طبيعية تنشغل بالتنمية وبتحسين حياة مواطنيها، لاتزال إيران تعيش في العام 1979 (الثورة الإسلامية)، وهي منشغلة بفكرة تصدير الثورة، كما أن تمددها يزداد دموية في الدول العربية.
وهذا التمدد كان السبب الرئيسي لانتشار الإرهاب في المنطقة، والذي لم يستهدف المصالح الإيرانية بتاتاً وهو أمر مثير للريبة. هذا الإرهاب أدى لهجرة جماعية، وحركات نزوح عالية وانتشار ملايين اللاجئين، وتدمير البنى التحتية، وتغييرات ديموغرافية خصوصا في سوريا والعراق.
وبالتالي يبقى التوجه الأمريكي الأكثر حزماً في الملف الإيراني من نظرائه الأوروبيين.
وهو يعمل نحو تعديل الاتفاق النووي وربما الانسحاب منه.
ومن المتوقع أن يدرس الكونغرس هذا الأمر بتاريخ 12 مايو المقبل.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه وإن كانت المواقف الأوروبية مغايرة بعض الشيء للتوجه الأميركي الحالي حيث تبدو أكثر تمسكا بالاتفاق النووي  بسبب المصالح الاقتصادية مع إيران،  إلا أنها أصبحت أكثر شدة في خطابها حول الاعتداءات الإيرانية، وحول الصواريخ البالستية التي استهدفت المملكة، وهو أمر في مجمله يحسب للدبلوماسية السعودية.
كما تكتسب زيارة ولي العهد أهمية اقتصادية، مما يضيف لثقلها السياسي إقليميا وعالميا.
فزيارة ولي العهد أتت بعد تنسيق كبير بين الدول المنتجة والمصدرة للنفط أوبك وأكبر المصدرين خارج أوبك “روسيا”، والذي أدى بالنتيجة إلى استقرار في أسواق النفط وأسعاره، بعد التزام معظم الدول بخفض الإنتاج.
لكن اللافت أكثر أن الأمير محمد تحدث من واشنطن، عن محادثات مع موسكو لتحقيق توازن في أسعار النفط، على مدى زمني طويل يمتد من عشرة إلى عشرين عاماً.
وتركزت معظم الاتفاقيات الاقتصادية بين السعودية والشركات الأمريكية وقبلها البريطانية، على توطين التقنية في المملكة وزيادة المحتوى المحلي، بالإضافة إلى الاستفادة من موقع المملكة المميز جغرافيا، بين ثلاث قارات، وهو ما يسمح بالقيام بمشاريع في مجالات التقنية والبحث العلمي والطاقة، يكون مركزها المملكة والسوق المستهدف هو الشرق الأوسط.
وتهدف زيارة ولي العهد أيضاً إلى جذب استثمارات أجنبية إلى مشاريع واعدة داخل المملكة، ومنها مدينة نيوم والبحر الأحمر والقدية، والتي يسميها السعوديون مشاريع المستقبل.
هذه المشاريع تحقق مصالح مشتركة، عبر تحقيق هامش ربح جيد للمستثمرين، وتحقق تنمية وتخلق وظائف في المملكة، والتي أغلب سكانها من الشباب. كما تصل منفعة المشاريع إلى المحيط العربي للسعودية أيضاً ومنها مصر.
الأهمية الاقتصادية الأخرى للمملكة، والتي تُثير شهية الدول والمستثمرين والصحفيين على حد سواء، تتعلق باكتتاب أرامكو، والذي من المتوقع أن يكون الأكبر في تاريخ الاكتتابات.

ويبين التناول الصحفي في عدة دول غربية لهذا الموضوع، إلى نظرة المستثمرين لهذا الاكتتاب ببالغ الأهمية، وكيف تتنافس أسواق المال على إطلاق هذا الاكتتاب، وهو ما يشكل قفزة إيجابية في المصالح الاقتصادية بين المستثمرين الأجانب والمملكة.
ويُنظر للسعودية من خلال زيارة ولي العهد لبريطانيا والولايات المتحدة ولقاءاته، كرأس حربة في التصدي للإرهاب، خاصة بالنسبة لإصرار الأمير الشاب على تعزيز الأمن في المملكة والمنطقة ونشر ثقافة الإسلام الوسطي المعتدل التي يركز عليها الأمير محمد بن سلمان، والتي عرفتها المملكة قبل أن تقوم ثورة الخميني في إيران وحادثة احتلال جهيمان للحرم.
الجولة السعودية التي بدأت من مصر مروراً ببريطانيا، ثم أميركا، تشمل أيضاً فرنسا وإسبانيا.
ولعل ولي العهد يركز في لقاءاته على المبادئ الثابتة والتحالفات الراسخة التي تستند إليها المملكة، وهو ما يجعل الآخرين ينظرون لها كحليف موثوق.
أصبحت السعودية اليوم، بوجهها الشبابي، أكثر طموحاً وإصراراً على العبور نحو المستقبل، وخلق فرص تنمية في الشرق الأوسط.
كما وتعمل قياداتها على جعلها محوراً هاماً في قضايا الأمن والتنوع الاقتصادي والثقافي ليس فقط في المنطقة، بل والعالم أجمع.

نيوزويك الشرق الأوسط

تحليل: كيف يُنظر إلى زيارة ولي العهد السعودي لأوروبا والولايات المتحدة؟

الأربعاء 4 أبريل 2018

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *