السقوط من «القصير»

في سياق ترويج وزير الخارجية الروسي لافروف لمنتدى جنيف، وتسويقه في الدوائر الغربية بأنه الحل الوحيد للأزمة السورية ديبلوماسياً، سارعت قوات الأسد مدعومة بقوة ضخمة من عناصر حزب الله لتغيير واقع الأرض، وقد كان قمة نجاح قوات الأسد وعناصر حزب الله إسقاط «القصير».

وفي ذاك اليوم المفزع قبيل شهرين قتل نحو ٤٠٠، جميعهم من النساء والأطفال، وتبع تلك المجزرة صمت دولي مطبق، وعُد ذلك في دوائر المحللين، تسليماً دولياً لملف سورية إلى روسيا تفعل به ما تشاء، ولكن الحراك الديبلوماسي كان نشطاً بعد ذلك، وأبدت دول عدة رغبات حقيقية في تسليح الجيش الحر، خصوصاً فرنسا وبريطانيا ثم أميركا بيدٍ مرتعشة.

وسقوط القصير لم يكن حجر زاوية في الأزمة السورية فقط، ولكنه كان تغييراً بالغ الأثر في الوضع اللبناني كذلك، إذ عُد ذلك سقوطاً كاملاً لمقدرات الدولة اللبنانية في حضن الحزب، صحيح أن لبنان لم يكن ذا استقلالية مطلقة، لاسيما بعد دخول القوات السورية، ولكن حزب الله أكد ما قام به في ٢٠٠٨ عبر توجيه السلاح للبنانيين، عبر أخذ قرار القيام بحرب على أرض عربية، في انتهاك لسيادة سورية ولبنان معاً.

حزب الله عبر الانقلاب الأول حكم وتياره لبنان منفردين، عبر حكومة ميقاتي التي لم تؤد بلبنان إلا لمزيد من التراجع، وحتى انسحاب ميقاتي المفاجئ بدأ حفاظاً عليه حتى لا يكون ورقة محروقة، وبعدها عطل كالمعتاد حزب الله تشكيل حكومة تمام سلام، عبر العودة إلى إسطوانة الثلث المعطل، وحقيقة الأمر أن حزب الله قرر تعطيل لبنان بالكلية حتى يحسم أمر سيده بشار أمره في سورية.

وبما أن مشاركة نصر الله في المعارك السورية هي مشاركة طائفية بامتياز، فقد كان الأثر طائفياً في الداخل اللبناني بالضرورة، فتكرر الصراع السني العلوي في طرابلس، بين باب التبانة وبعل محسن، بل وامتد إلى صيدا، وجلب تطرفاً سنياً مضاداً من الشيخ الأسير، وصولاً إلى تفجير الضاحية الجنوبية والذي صدم مؤيدي نصر الله، ما دفعهم لرجم وزير داخلية حكومتهم المستقيلة بالحجارة.

حزب الله بدخوله السافر في سورية، والحديث بفخر عن إنجاز سقوط القصير، وهي المنطقة المركزية في خط الإمدادات الجنوبي لبشار، ثم الاحتفال في الضاحية عبر توزيع الحلوى، لم يمر عربياً ولا دولياً مرور الكرام، فقد جمدت دول الخليج العربية أنشطة حزب الله على أراضيها للمرة الأولى، وتلا ذلك الاتحاد الأوروبي عبر ضم الجناح العسكري لحزب الله إلى لائحة الإرهاب، وربما ذلك لإبقاء الجناح السياسي لاسيما الوزراء في موقف يمكنهم من التواصل أوروبياً.

إسرائيل على الجانب الآخر تتعامل بسياسة الضربات الصامتة، فهي لا يعنيها لو قتل آخر سوري دم أخيه، ولا يضيرها أن يضاف بذلك دماء عناصر حزب الله، بل ستشرب الأنخاب على تفتت الدول العربية ومقتل العرب، ولكنها لا تسمح أبداً أن يستفيد حزب الله من الفوضى السورية لتحسين تسليحه، وقد ضربت مرات عدة أي شحنة صواريخ متجهة لحزب الله من سورية.  حزب الله بدخوله طرفاً في المعركة السورية، لم يكن يثبت ولاءه للولي الفقيه فقط، ولا حتى وفاءه لبشار الأسد الذي دعمه طويلاً في التنكيل بلبنان، بل جعل مساره متلازماً مع مسار كرسي بشار، بقاؤهما لا يكون إلا معاً، وزوالهما لا يكون إلا معاً، وبقاء بشار هو إعلان لبنان محافظة إيرانيه تماماً.  وهنا يبقى السؤال للمجتمع الدولي: هل سيسمح بسقوط لبنان في إمرة إيران بعد العراق ونصف سورية؟ أو تكون القصير بداية سقوط حزب الله؟ خصوصاً بعد أن كفر العرب بكل دكاكين السياسة التي تضع لوحات دينية.

صحيفة الحياة

http://alhayat.com/OpinionsDetails/535782

الخميس 24 يوليو 2013


Posted

in

by

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *